تجلّي

Img 20250210 Wa0028

كتبت/مريم نصر 

 

التجلّي هو لحظة الصفاء الذهني التي تتجسد فيها الحقيقة أمامنا بوضوح تام، وكأنّ غشاوة قد زالت عن أعيننا فجأة. هو ذلك الشعور العميق الذي يجعلنا ندرك المعاني الخفية للأحداث، ونرى أنفسنا والعالم من زاوية جديدة. قد يأتي التجلّي في لحظة صمت، في تجربة قاسية، أو حتى في لحظة فرح عابرة، لكنه دائمًا يترك أثرًا لا يمحى في وعينا.

في حياتنا اليومية، نمر بالكثير من الأمور دون أن نتوقف لنتأملها. نحن غارقون في التفاصيل، في العمل، في العلاقات، في الأحلام المؤجلة، حتى تأتي لحظة تجلٍّ تقلب الموازين. قد يكون ذلك حين ندرك أن سعادتنا ليست فيما نلاحقه بلا توقف، أو حين نستوعب أن الألم الذي ظنناه نهاية كان مجرد بداية لطريق آخر. هذه اللحظات النادرة تمنحنا منظورًا أعمق للحياة، وتكشف لنا أشياء لم نكن نراها من قبل.

التجلّي ليس حدثًا خارجيًا، بل هو رحلة داخلية. قد يأتي حين نواجه أنفسنا بصراحة، بعيدًا عن التبريرات والمخاوف، أو حين نسمح للهدوء بأن يحلّ محل الضجيج في داخلنا. هو لحظة تتجسد فيها الحكمة، ويتلاشى فيها التردد، ونشعر كأننا وجدنا أخيرًا إجابة كنا نبحث عنها دون وعي.

لكن التجلّي ليس مجرد لحظة عابرة، بل هو بداية لتغيير حقيقي. فالإدراك وحده لا يكفي، إن لم يتبعه فعل. أن تدرك ما تحتاجه لا يعني أنك حصلت عليه، ولكن يعني أنك أصبحت أقرب إليه. أن تدرك قيمتك لا يعني أنك تعيشها، بل يعني أن الوقت قد حان لتتوقف عن التقليل من شأن نفسك. التجلّي يمنحنا الوضوح، ولكن علينا نحن أن نختار كيف نتصرف بناءً عليه.

في النهاية، التجلّي هو لحظة نادرة من الصفاء، هدية تقدمها لنا الحياة في أوقات غير متوقعة. هو الضوء الذي يكشف لنا الطريق، لكن علينا أن نملك الشجاعة لنخطو فيه.

 

_مــريــم نــصــر

عن المؤلف