كتبت/ مريم نصر
الحياة مرآة، تعكس ما بداخلنا أكثر مما تعكس ملامح وجوهنا. نقف أمامها فنرى ما نظنه حقيقتنا، لكنها في كثير من الأحيان تخدعنا، أو ربما نحن من نحاول خداعها. نحن مزيج من مشاعر وأفكار، أحلام وأوجاع، وكل ما نعيشه ينعكس في تصرفاتنا، في نظرات أعيننا، وحتى في نبرة أصواتنا.
كل شيء حولنا يحمل انعكاسًا خفيًا. السماء تعكس هدوء البحر حين يكون صافياً، وتضطرب حين تثور أمواجه. القمر لا يضيء وحده، بل يستمد نوره من الشمس، ونحن أيضًا، نستمد نورنا من قلوبنا، من حبنا للآخرين، من الخير الذي نحمله في أرواحنا. انعكاسنا في عيون من نحب، وفي نظرات العابرين، هو مرآة أخرى تخبرنا كيف يرانا العالم، وكيف نشكّل جزءًا منه.
أحيانًا ننظر في المرآة ولا نعرف أنفسنا، ليس بسبب تغير الملامح، بل لأن أرواحنا تغيرت. ربما بفعل الزمن، أو بسبب التجارب التي مررنا بها، أو لأننا سمحنا للحياة بأن تعيد تشكيلنا دون أن نشعر. هناك لحظات نكتشف فيها أن انعكاسنا لا يشبهنا، وأن علينا البحث عن أنفسنا من جديد.
في العلاقات، نحن انعكاس لما نقدمه. إن منحنا حبًا، سنجده يتردد في قلوب الآخرين، وإن قدمنا قسوة، فسنرى وجوهًا تعكسها لنا. البسمة التي نرسمها على وجه شخص ما، ستعود إلينا في لحظة ما، والجرح الذي نتركه في قلب أحدهم، قد نشعر بألمه يومًا. نحن مسؤولون عن هذا الانعكاس، عن الصورة التي نتركها في ذاكرة الآخرين.
أما الماضي، فهو انعكاس لقراراتنا. عندما ننظر إليه، نرى آثار خطواتنا، ونفهم كيف وصلنا إلى ما نحن عليه. قد نحاول محو بعض الذكريات، لكن الحقيقة تبقى واضحة، كظل لا يفارق صاحبه. رغم ذلك، لا يعني انعكاس الماضي أننا لا نستطيع تغييره في المستقبل. نحن قادرون على إعادة رسم الصورة، على تصحيح الأخطاء، وعلى خلق انعكاس أكثر نقاءً مما كان.
أحيانًا نخشى مواجهة انعكاسنا الحقيقي، فنختبئ خلف أقنعة، نظن أنها تحمينا، لكنها في الواقع تبعدنا عن حقيقتنا. لكن مهما حاولنا الهروب، سيأتي يوم نضطر فيه للوقوف أمام المرآة، لرؤية أنفسنا كما نحن، بكل عيوبنا وجمالنا، بكل ما فقدناه وما اكتسبناه.
الانعكاس ليس مجرد صورة، بل رسالة. يخبرنا من نحن، وأين نقف، وإلى أين نحن ذاهبون. فهل نحن مستعدون لمواجهة انعكاسنا الحقيقي، أم سنظل نهرب منه؟
المزيد من الأخبار
بيضة واحدة كافية لصيام يوم بدون تعب
انطفاء
هواجس