مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

اعتزال ما يؤذيك

بقلم الدكتورة/اسلام محمد
استشاريه الصحه النفسيه والإرشاد الاسري والزواجي ودكتوراه في التنميه البشريه وتطوير الذات وصاحبه كتابي (البحث عن الذات و كتاب طوظ)

إنَّ من أسمى صور الحكمة والنضج أن يختار الإنسان اعتزال ما يؤذيه، لا ضعفاً ولا هروباً، بل حفاظاً على سلامه الداخلي واستقرار روحه. فليس من الشجاعة أن تبقى في موضعٍ يستنزفك، ولا من الصبر أن تصبر على ما يُميت فيك الطمأنينة كل يوم.
لقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمته الخالدة: “اعتزل ما يؤذيك، ما قال: تحمّله”، جملة قصيرة لكنها تختصر فلسفة عميقة في التعامل مع الناس والحياة. فبعض العلاقات سُمّها في لينها، وبعض الوجوه تبتسم وهي تُنهكك، وبعض الصحبة تُطفئك باسم المودة. وهنا يأتي الاختبار الحقيقي: أن تدرك متى تبتعد ومتى تصمت ومتى تحفظ نفسك من الأذى.

إنّ الناس المؤذية لا تؤذيك بجسدها فقط، بل بكلماتها، ونظراتها، وأفعالها الصغيرة المتكرّرة التي تنخر فيك دون أن تشعر. يُبرّرون سوءهم بالحب، ويُقنعونك أنّك تبالغ في حساسيتك، حتى تُصبح أنت المتّهم وهم الجناة. لذلك كان الاعتزال دواءً للروح ووقاية للقلب.

اعتزال ما يؤذيك ليس قطيعة ولا كراهية، بل فنّ من فنون السلام، أن تختار البُعد بهدوء، وتمنح نفسك حقّ الهدوء بعد ضوضاء، وحقّ العافية بعد تعب. أن تعرف أنّ الله لا يريد منك أن تُهين نفسك باسم الصبر، ولا أن تبقى في موضعٍ يُطفئ نورك باسم الإحسان.

فليكن شعارك في الحياة: “أعتزل ما يؤذيني لأحيا بسلام”، فإنّ سلامك الداخلي هو رأس مالك الحقيقي، ومن يحافظ عليه فقد امتلك كنزاً لا يُقدّر بثمن.