مغفرة

Img 20250207 Wa0363

كتبت/مريم نصر 

 

المغفرة هي أحد أعظم المفاهيم الإنسانية التي تلامس أعماق القلب وتمنح الروح السلام. هي تلك القدرة العميقة على التسامح، على العفو عن الأذى الذي ألحقه الآخرون بنا، وتحرير أنفسنا من أغلال الغضب والضغينة. قد تبدو المغفرة أمرًا صعبًا في كثير من الأحيان، خاصة عندما نُجبر على مواجهة الخيانة أو الظلم. ولكنها، في جوهرها، ليست فقط عن العفو عن الآخرين؛ بل هي عن منح أنفسنا الحرية من الماضي وآثاره.

في عالم مليء بالمسؤوليات والضغوط، لا مفر من وقوع الأخطاء، سواء كانت من قبلنا أو من الآخرين. الجميع يخطئ، والجميع معرض للأذى. لكن المغفرة لا تعني قبول الأذى أو التغاضي عن الحق، بل هي تتعلق بتحرير النفس من السلبية التي قد تلتصق بنا نتيجة للألم أو الجرح. المغفرة هي قرار داخلي بترك الماضي وراءنا وعدم السماح له بتوجيه حياتنا.

المغفرة تملك القدرة على شفاء القلب، وتحويل الألم إلى دروس من القوة والتسامح. عندما نغفر للآخرين، لا يعني ذلك أننا ننسى ما حدث، بل نعترف بأن الحقد والغضب لن يغيرا شيئًا في الواقع. المغفرة، إذًا، تمنحنا القدرة على التقدم والمضي قدمًا. إنها تطهير داخلي، يسمح لنا بالعيش بسلام مع أنفسنا ومع من حولنا.

قد يُساء فهم المغفرة على أنها ضعف أو تراجع، لكن الحقيقة عكس ذلك. المغفرة تتطلب شجاعة هائلة؛ شجاعة في مواجهة الألم، وفي اتخاذ قرار بأننا لن نسمح لما حدث أن يُقيدنا. هي قوة روحية تتطلب منا النظر إلى أبعد من الأذى الظاهر، والتفكير في كيفية تطهير أنفسنا بدلاً من الوقوع في فخ الانتقام أو اللوم.

ليس من السهل دائمًا أن نغفر. ففي بعض الأحيان، قد يبدو العفو غير ممكن، خاصة إذا كان الجرح عميقًا أو إذا كانت الخيانة غير مبررة. ولكن المغفرة تبدأ أولاً بأن نغفر لأنفسنا. علينا أن نسمح لأنفسنا بالتحرر من الأحمال الثقيلة التي نضعها على قلوبنا بسبب اللوم أو الشعور بالذنب. وفي اللحظة التي نقرر فيها المغفرة، سواء لأنفسنا أو للآخرين، نكتشف أننا قد حصلنا على هدية ثمينة: السلام الداخلي.

المغفرة ليست مرتبطة بالآخرين فقط، بل أيضًا بالمصالحة مع أنفسنا. نحن في كثير من الأحيان نحتاج إلى أن نغفر لأخطائنا، ونفهم أن الحياة مليئة بالفرص للتعلم والنمو. المغفرة تمنحنا فرصة أن نكون أفضل مما كنا، وألا نسمح لأخطاء الماضي بالسيطرة على حاضرنا ومستقبلنا.

في النهاية، المغفرة ليست مجرد فعل بل هي حالة من السلام الداخلي والتصالح مع النفس والآخرين. هي الطريق إلى الحرية، والوسيلة التي تسمح لنا بالتخلص من الأعباء التي تقيدنا، لتعيش حياتنا بأقل قدر من الألم وأكثر من المحبة والرحمة.

 

_مــريــم نــصــر

عن المؤلف