سكون

Img 20250207 Wa0366

كتبت/مريم نصر 

 

السكون هو لحظة هدوء يتوقف فيها الزمن، وتختفي فيها الأصوات من حولنا. هو ذلك الصمت الذي يحيط بنا ويترك لنا مساحة للتأمل، للراحة، والتفكير في كل ما يدور داخلنا. قد يظن البعض أن السكون مجرد غياب للصوت، ولكن في الحقيقة، هو حالة عميقة من التوازن الداخلي، حيث تكون كل الحواس في حالة تأهب للتركيز على ما هو مهم وما يستحق الانتباه.

السكون ليس حالة من الفراغ أو الخمول، بل هو لحظة تنبع من الهدوء الداخلي الذي يشعر به الإنسان عندما يبتعد عن ضغوط الحياة اليومية. في لحظات السكون، يمكننا أن نعيد الاتصال بأنفسنا، أن نتأمل في أفكارنا، وأن نفهم مشاعرنا بشكل أوضح. هو مكان لا يُسمح فيه للأفكار المشوشة بالتسلل، بل يتجلى فيه الوضوح الداخلي.

كثيرًا ما نجد السكون في الطبيعة. في الصباح الباكر، عندما تسود الهدوء في الأفق، أو في الليل حين تغلق الدنيا أبوابها وتستعد للراحة. في تلك اللحظات، يكتسب السكون معنى عميقًا؛ فهو ليس فقط هدوءًا خارجيًا، بل هو استراحة للروح. السكون في الطبيعة يتيح لنا أن نستشعر جمال الكون بشكل مختلف، وأن نشعر بأننا جزء منه.

في حياتنا المعاصرة، السكون أصبح نادرًا. نحن محاطون بالأصوات والتكنولوجيا والمشاغل اليومية التي تشوش على أفكارنا. ولكن رغم هذا الضجيج، يبقى السكون ضروريًا لنا. نحتاجه لإعادة شحن طاقتنا، لاستعادة توازننا النفسي، ولتصفية ذهننا. قد يكون السكون صعبًا في البداية، خاصة إذا كانت حياتنا مليئة بالمشاعر والأحداث المتسارعة، لكننا مع الوقت نكتشف أنه في داخل السكون تكمن القوة الحقيقية.

إن السكون ليس فقط غيابًا عن الضوضاء، بل هو حالة من الصفاء الذهني. حينما نسمح لأنفسنا بالاسترخاء والابتعاد عن صخب العالم الخارجي، نفتح لأنفسنا أبوابًا جديدة لفهم الذات وتقديم حلول لمشاكلنا. في السكون، يصبح الوقت أكثر مرونة، لأنه لا يُشعرنا بالضغط، بل يتيح لنا أن نعيش اللحظة بكل تفاصيلها.

في بعض الأحيان، يكون السكون أكثر تعبيرًا من الكلمات. لحظات الصمت بين الأشخاص قد تحمل معاني أعمق من أي حديث، فالصمت يمكن أن يكون تعبيرًا عن الفهم المشترك، أو عن الحزن العميق، أو حتى عن السلام الداخلي. وعندما يصبح السكون طقسًا منتظمًا في حياتنا، فإنه يمنحنا القدرة على التحكم في مشاعرنا واتخاذ قراراتنا بحكمة ووضوح.

السكون، في جوهره، هو فرصة للراحة الداخلية، للتجديد والانعكاس. هو لحظة نعيد فيها الاتصال مع أنفسنا، ونأخذ خطوة إلى الوراء لنرى الصورة الكبيرة للحياة. وفي النهاية، السكون ليس فقط عن الفضاء الخارجي الهادئ، بل عن تلك اللحظات التي نختبر فيها السكون الداخلي، الذي يساعدنا على النمو والتطور.

 

_مــريــم نــصــر

عن المؤلف