أتيتها وأتتني

Img 20250128 Wa0048

 

كتب وليد اسماعيل علي

أيها القارئ الكريم، أريد أن أخبرك بأمرٍ ليس بالسر، وأكاد أجزم أنك تعرفه جيدًا. ولكن دعني أذكرك، لعل الله يهديني ويهديك إلى الطريق المستقيم. تذكر أن من منع نفسه من فعل حرام ما، خوفًا من الله، فإن الله سيعوضه بحلال في الدنيا يسعده، ورحمة ومغفرة، وجنة عرضها السموات والأرض في الآخرة.

 

الآن سأبدأ في حكاية قصتي، فأنصت قليلاً لما سأقول لك. فهيا، واسترخي جيدًا. هل أنت جاهز الآن؟ هذا جيد، هيا نبدأ.

 

أنا رجل أهلكتني ستة وستون عامًا، مرت علي فيها كثير من المواقف. ولكنني سأحكي لك عن ذلك الموقف الذي يعتبر علامة فارقة في حياتي. في يوم من الأيام، كنت أجول إحدى المدن في عصر الدولة الأموية، وتحديدًا في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز. كنت أعمل في نقل البضائع للتجار على ظهري، فلقد كنت في ذلك الوقت أتمتع بقوة وصحة جيدة. أما الآن، فلم أعد كما كنت، ولكن أحمد الله عز وجل وأشكره.

 

كما أخبرتك، كنت أنقل البضائع للتجار، وفي يوم أمرني أحد التجار بنقل بضاعة إلى منزله، الذي هو عبارة عن قصر كبير في نهاية المدينة. هذا التاجر يحتل مكانة شيخ التجار في المدينة، وهو ذو مال وفير. لم يكن له ولد، ولكن منَّ الله عليه بأن رزقه ابنة فائقة الجمال، كانت حديث كل من في المدينة. في ذلك الوقت، كانت ابنة السابعة عشر ربيعًا، وكان حلم كل شاب التودد إليها والفوز بقلبها.

 

عزيزي، هل أنت معي؟ لأنني سأبدأ الآن قصتي فعلاً. فما سبق كان بمثابة مقدمات لما هو مهم سيأتي، فهيا أعرني اهتمامك، فهيا ندخل سوياً إلى منزل التاجر.

 

كان الوقت في الظهيرة، وكل شيء حول المنزل كان يشوبه السكون. ومن حسن حظي، لم يكن في المنزل غير فاتنة القلوب. فطرقتُ الباب، ولم يمضِ وقت طويل إلا وفُتح الباب، وظهرت هي في أجمل حُلة، بلباس أنيق وشعر غطى كتفيها ومعظم ظهرها. فترددت في الدخول، ولكنني دخلتُ لكي أتمكن من إيصال البضاعة إلى مخزن البيت.

 

بعد أن أدخلتُ البضاعة، غاص الشيطان في أعماق تفكيري، وأغرانى بأن أذهب وأنهش شرف هذه الفتاة، فلا أحد سوف يمنعني منها. فذهبتُ إليها وأخرجتُ من جلبابي خنجراً كنت أستخدمه لحماية نفسي من غدر اللصوص وأنا أنقل البضائع. فهَمَّت بالصراخ، إلا أنها صمتت بشكل فاجأني جدًا. فقلت لها: من سيمنعني الآن من أخذ شرفك يا صغيرتي؟ فقالت بصوت واثق: “الله سيحميني منك.”

 

نزل اسم رب العزة كالسهم في قلبي أو عقلي، حقًا لا أعرف ماذا حدث لي، فلم أنتبه لنفسي إلا وأنا ساجد على الأرض أبكي بكل حرقة. فقررت الخروج من المنزل سريعًا، نادمًا جدًا على تفكيري الشيطاني. وقررتُ أن أعمل بجد كي أشغل نفسي من التفكير في مثل هذه الأشياء، فعملت واجتهدتُ كثيرًا، حتى تمكنت من امتلاك متجر لبيع الأواني الخزفية.

 

مرت السنين دون أن أشعر بها، فقررت الزواج. وفي يوم نذرت نذرًا لله، أن أول فتاة تدخل متجري سأقوم بالتقدم لخطبتها فورًا. فمر اليوم الأول وكذلك الثاني، وكان كل زواري من الرجال أو من المحصنات المحرمات. وفي اليوم الثالث، بينما أنا أستعد لقفل متجري، أتتني فتاة ملثمة تريد أن تشتري أواني خزفية. وبعد أن أخذت ما تريد، قلت لها: يا سيدتي، هل أنتِ محصنة؟ قالت: لا، ولكن لماذا تسأل؟

 

فأخبرتها بأمر النذر، فقالت لي: ولكنك لا تعرفني، ولا أنا أعرفك، بل أنك لم ترَ وجهي بعد. فقلت لها: إن الله اختارك لتكوني أول من يدخل متجري. وقمت أنا بتنفيذ وعدي، فإن قبلتِ بالزواج فهذا نصيبي، وإن لم تقبلي، هذا أيضًا نصيبي. فضحكت وقالت لي: سأكشف لك وجهي. وكان تحت النقاب مفاجأة لم أكن أحلم بها. فقلت لها: هل أنتِ ابنة شيخ التجار؟ فقالت: نعم، أنا هي. فقلت لها: ألا تتذكريني؟ فقالت: لا والله. فقلت لها: أنا هو ذلك الرجل الذي أراد أن يأخذ منكِ الحرام. فقالت: سبحان الله.

 

ذهبتُ إلى منزلها وتم الزواج بيننا، فقالت لي: أتيتني حرامًا ولم تنل مني، ولكن أتيتك أنا حلالًا، فافعل الآن ما تريد.

  

عن المؤلف