10 فبراير، 2025

تفضَّلْ برِفْقٍ

Img 20250113 Wa0062

 

سارة أسامة النجار

ظِلُّهُ القادمُ من بعيدٍ يَفْتَرِشُ الأرضَ، بأولَى خُطُواتِهِ التي تَدُوسُ الزمنَ بكلِّ عَنْجَهِيَّةٍ، يُحْدِقُ إلينا بكلِّ برودٍ، والزِّينَةُ تَكْسُو جَسَدَهُ. ضَيْفٌ يَنْتَظِرُهُ العالَمُ بأسرِهِ، أعادَ الساعةَ الرمليَّةَ إلى نقطةِ صِفْرٍ جديدةٍ، وهُوَ يَهْمِسُ أنّه لن يكونَ كَسابِقِيهِ، أنّه عامُ 2025، يَهْبِطُ على حياتِنا.

وبينما يُعَلِّقُ العالَمُ الزِّينةَ ويُضيئون الشموعَ، نُعِدُّ أرواحَنا لجولةٍ جديدةٍ من البقاءِ. هنا، لا يأتي العامُ الجديدُ مُحَمَّلًا بالأمنياتِ، بل يَعْبُرُ كَسارقٍ في الليلِ، يَسْرِقُ ما تبقَّى من قُوَّتِنا، ويترُكُنا نُحصي ما فقدْناه. هنا، الأعوامُ ليست محطَّاتِ انتظارٍ، بل أَصْفادٌ زمنيَّةٌ تُثْقِلُ الروحَ وتدفعُها نحو هاويةِ الذكرياتِ المؤلمةِ. لذا، نَسْتَقْبِلُكَ اليومَ كَجُنودٍ مُنْهَكِينَ، نَحْمِلُ رايةَ الصَّبْرِ، ونُقْسِمُ أنّنا، مهما كانتْ مَعارِكُنا طويلةً، سَنَبْقَى على قيدِ الحُلْمِ. فلا تُثْقِلْ علينا كما فعلَ مَنْ قَبْلَكَ، واعْلَمْ أنّنا نَصْنَعُ من الألمِ أَجْنِحَةً تُحلِّقُ بنا فوقَ المأساةِ.

ربما أتيتَ اليومَ دونَ أن تُبالي بما خلَّفَه مَنْ قبلَكَ بنا من خرابٍ، لكنِّي سأرشدُكَ إلى الأرضِ التي ستَسْتَقْبِلُكَ. هنا، غزةُ الشامخةُ على حافَّةِ الألمِ، تُنْبِتُ من بينِ شُقوقِها أزهارَ الشجاعةِ والصمودِ، وتنهضُ بِشُمُوخٍ بعدَ كلِّ رُكوعٍ، متحدِّينَ الزمنَ، نَحْمِلُ فوقَ أكتافِنا ما يَنْهارُ، ونَبْنِي من دموعِنا جُسورًا تُعيدُنا للحياةِ.

نحنُ في قطاعِ غزةَ: الجُوعُ صارَ زائرًا يوميًّا على موائدِنا الفارغةِ، والبَرْدُ تَسَلَّلَ إلى أَجْسادِنا الهزيلةِ. المرضُ غزا مخيَّماتِنا، والخوفُ كان يُراقبُنا من كلِّ زاويةٍ. في غزةَ، حتى الهواءُ يَحْمِلُ رائحةَ الحصارِ. بدأنا العامَ المُنْصَرِمَ في الخيامِ الباليةِ، لا سقفَ يَحْمينا من نظراتِ السماءِ الحادَّةِ، ولا جُدْرانَ تَحْمي همساتِنا الدافئةَ. وأولَى ما وردَنا من أخبارٍ كانَ تَحْطِيمَ منزلِنا، فَخَسِرْنا وطنًا داخلَ وطنٍ، بتحويلِهِ إلى كَوْمَةِ رُكامٍ، تَدْفِنُ تحتَها سنواتٍ مُطَرَّزَةً بالضحكاتِ والدمعاتِ، بالنجاحاتِ والإخفاقاتِ، بالأفراحِ والأتراحِ.

فُتِّتَ كَنْزُ ذكرياتِنا، وصُبِغَتْ أحلامُنا بالرَّمادِ. وتوالتِ الأخبارُ كرياحٍ جارفةٍ، مُدَمِّرةٍ للأرواحِ، مع سرقةِ أَشْخاصٍ كانوا يُدفِئون قلوبَنا، ويَبْعَثُونَ طَعْمَ البهجةِ في أيَّامِنا. نحنُ اليومَ لا نَطْلُبُ منكَ يا 2025 الكثيرَ، ولا نَمْلِكُ رَفَاهِيَةَ التَّمَنِّي، بل نأملُ أن تكونَ أكثرَ رأفةً بحالِنا.

كانَ مِنَ المُفْتَرَضِ أن أَسْرُدَ قائمةَ إنجازاتي، فبَارِكُوا لي بأنَّني ما زِلْتُ على قَيْدِ الحياةِ، في ظلِّ تزاحُمِ الابتلاءاتِ على حياتي. وأمَّا عن خُطَطِي للعامِ القادمِ، فأنا سأعودُ لِتَعَلُّمِ أبجديةِ الابتسامةِ، وأبقى مُتَشَبِّثَةً بالإيجابيَّةِ لآخرِ نَفَسٍ. وسأُذَكِّرُ العالَمَ كلَّ يومٍ أنّنا لا نعيشُ هنا لِنَنْسى، بل لِنُعيدَ صياغةَ معنى الحياةِ.

لِنُخبِرَ العالَمَ أجمعَ: غزةُ ليستْ مكانًا يموتُ فيه البشرُ، بل أرضٌ تُعَلِّمُ العالمَ كيف ينهضُ الإنسانُ من الرَّمادِ.

عزيزي 2025، أهلًا بكَ بيننا. تفضَّلْ برفقٍ على قلوبِنا المُلْتَهِبةِ من شدَّةِ ما عَشْناه، وكُنْ ساحةً لنُضْجِ أحلامِنا، وكُنْ راعيًا للسلامِ في الكونِ بأسرهِ.

عن المؤلف