كتبت: هاجر حسن
كان النهر صافيًا يلمع بنقاء، يعكس زرقة السماء،
وتداعب الرياح مياهه بخفة ولطف.
في أحد الأيام، لاحظ النهر سحابة تتراقص فوقه، محاطة بألوان طيف كالزهور. طمع النهر في الحصول على بضع قطرات من ماء السحابة.
قال النهر لها: “ألا تمنحيني بعضًا من مياهك؟”
قاطعته الرياح قائلة: “هذه سحابة فاسدة، مياها معكرة، وما كل ما يلمع جميلًا ومصرحًا به.”
لكن النهر لم يستمع للرياح وقال: “لا بأس من نقطة واحده، تجربة لمرة واحدة، ألا ترى كم هي السحابة جميلة؟”
ألح النهر على السحابة لتعطيه بضع قطرات من مياهها، حتى تساقطت منها قطرات قليلة. شعر النهر بمذاق حلو، لكن مياهه تغيرت وظهر بها بقعة سوداء. لكنه اعتقد أنه أمر بسيط، وأنه سيزول قريبًا.
في الأيام التالية، عادت السحابة من جديد، تتمايل مع أشعة الشمس وتتزين بألوان أكثر بريقًا، تخفي ما تحتويه من مياه فاسدة. فُتن النهر بها مرة أخرى.
حذرته الرياح وذكرته بقول الغزالي: “صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة.”
لم يستمع النهر للرياح، وطلب من السحابة قطرات أخرى من مياهها، فانهالت المزيد من القطرات. انتشرت البقع السوداء في مياهه حتى طفا السواد على صفائه.
شعر النهر بثقل مياهه، فعاتب الرياح متسائلًا: “لماذا لا تمازحينني وتحركي مياهي كما كنتِ؟”
أجابته الرياح بحزن: لقد أثقلت البقع السوداء قلب مياهك، فلم تعد خفيفة.” نظر النهر إلى نفسه، وشعر بالندم. أدرك متأخرًا أن طمعه وركضه وراء زينة زائفة، أفقدته نقاءه، الذي قد لا يعود بسهولة.
مياه النهر مثل قلب الإنسان، يبدأ صافيًا نقيًا، ثم تأتي الذنوب الصغيرة كالنقاط السوداء التي تفسده.
بتهاون في تبرج الوجه بزينة ملفتة، ضحكات ومزاح بين الشباب والشابات، تجنب غض البصر في كثير من الأوقات، كذبات، وكلامًا فاسدًا يخرج من اللسان، تأخير صلوات، وركض خلف زينة الحياة. وتتعدد الأشكال لصغائر الذنوب، يظن الإنسان أن هذه النقاط صغيرة لا تؤثر عليه، لكنها تتراكم حتى تعكر صفاء القلب تمامًا.
وهذا ما حذر النبي صلى اللّٰه عليه وسلم في قوله لعائشة رضي اللهُ عنها: “يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من اللّٰه طالباً.” الذنوب الصغيرة تسقط على القلب كنقاط معكرة، تغير حاله حتى يصبح ثقيلًا مظلمًا، لا يجد راحته ولا صفاءه.
تحرمه سعادة الدنيا، وقد تعذبه في الآخرة.
فلا تكن كالنهر، حافظ على نقاء قلبك، قبل فوات الأوان.
المزيد من الأخبار
وتفاقمت المسافات
وتفاقمت المسافات
وتفاقمت المسافات