بقلم محمد حسن
في زمن تتسارع فيه الأفكار وتتعدد فيه التفسيرات، يبرز اسم “محمد عبد الرحيم عبد الرزاق الغزالي” كاتبًا ومدونًا مصريًا وُلد في المنوفية في الأول من أغسطس عام 1980، ليحفر لنفسه مكانًا خاصًا في ميدان الكتابة والتأليف في حقائق ومعاني القرآن الكريم والسيرة النبوية. وعلى الرغم من أنه يحمل درجتي البكالوريوس والماجستير في الحاسبات والمعلومات من جامعة القاهرة، فإن اختياره لمسار مختلف يعكس إيمانًا عميقًا برسالة أراد أن يُبلّغها: أن القرآن الكريم هو مفتاح نهضة الأمة، وأن العقل والمنطق ليسا خصمين للوحي، بل معينين على فهمه وإدراك أبعاده.
بدأت رحلته في عالم الكتابة عبر المدونات الإلكترونية عام 2013، حيث راح يخط أفكاره وتأملاته بلغة تجمع بين بساطة الطرح وعمق الفكرة. ومع مرور السنين، أخذت تلك الكتابات شكلًا أكثر نضجًا، حتى قرر تحويلها إلى كتاب حمل عنوان حقائق ومعاني من القرآن الكريم والسيرة النبوية في عام 2023، ليكون باكورة إنتاجه الفكري المطبوع، ومفتاحًا لمدرسة فكرية تعتمد على المنهج العقلي في تناول النصوص المقدسة.
اختياره لهذا المجال لم يكن وليد الصدفة، بل انعكس من إيمانه بأن الأمة الإسلامية لن تنهض إلا بالعودة إلى القرآن بروح جديدة، تُحيي الفهم العميق للنصوص، وتُزيل ما تراكم من التباسات وسوء فهم عبر القرون. وهو يؤكد أن مبادئ المنطق — من تحليل التضاد والترادف، والتمييز بين الاستدلال الصحيح والفاسد، وبناء الحجة القاطعة — تمثل أدوات أساسية في التعامل مع الوحي، دون أن تكون بديلًا عنه.
ورغم ما واجهه من انتقادات، سواء لكونه لم يتخرج في مؤسسة شرعية تقليدية، أو لاعتماده على مناهج عقلية في التفسير، إلا أنه تعامل مع تلك الانتقادات بهدوء، مؤكدًا أن كبار المفسرين على مر العصور لم يكونوا دائمًا أكاديميين، وأن الاجتهاد والبحث الجاد هما السبيل الحقيقي لإثراء الفكر الإسلامي.
ما يميز الغزالي هو منهجيته الواضحة في البحث: يحدد الموضوع بدقة، يجمع المراجع، يحللها نقديًا، يقارن بينها، يستخلص النتائج، ثم يصوغها بلغة أقرب إلى القارئ. وهو لا يكتفي بالطرح النظري، بل ينزل إلى الميدان العملي من خلال اختيار القضايا الخلافية الكبرى، مثل مسألة موت النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة ارتباط الموت بالسمع والبصر، أو وعد الله للمؤمنين بعدم اقتراب المشركين من البيت الحرام، ليقدم تفسيرًا منطقيًا يرفع الالتباس ويُقرّب المعنى.
ومن القضايا التي تناولها أيضًا العلاقة بين الإيمان والتقوى، حيث أشار إلى أنهما ليسا بالضرورة متلازمين كما يظن البعض، بل لكل منهما خصوصيته ومعناه المستقل. ومثل هذه النتائج لا تُقدَّم للقارئ على هيئة أحكام جاهزة، بل تُبسط عبر أدوات عقلية تجعل المتلقي شريكًا في الفهم، لا مجرد متلقٍ سلبي.
أما عن موقفه من التفاسير التقليدية، فهو لا يرفضها ولا يناقضها، بل يعتبر أن المنطق يكملها ويضيء زواياها، رافعًا الالتباس الذي قد يقع فيه الناس، ومؤكدًا أن النصوص القطعية محفوظة في قدسيتها، بينما الاختلاف قائم في فهم البشر لها.
الغزالي يؤمن أن القرآن نزل لكل الناس، وأن لكل إنسان الحق في أن يفهمه بلغته وأدواته، مستشهدًا بقوله تعالى: “الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ”. ومن هنا، فإن استخدام المنطق ليس عائقًا أمام الفهم، بل جسر يربط بين النص وروح الإنسان الباحث عن الحقيقة.
القراء اختلفوا حوله: بعضهم انتقد مساره العقلي، وبعضهم وجد في كتاباته طوق نجاة لفهم النصوص بعيدًا عن الجمود والتقليد. ومن ردود الأفعال التي أثرت فيه بعمق، تلك التي تناولت مسألة القسم بغير الله، إذ وجد أن النقاشات التي أثارها الكتاب جعلته يعيد النظر في عمق أثر الكلمة عند الناس.
مشاريعه المستقبلية لا تزال في طور التبلور، لكنه يؤكد أن الباب مفتوح لإصدارات قادمة تحمل مزيدًا من المقالات والبحوث تحت العنوان ذاته، لتواصل رحلته في تفسير النصوص عبر ميزان العقل.
وفي ختام هذا الحوار مع فكره، يدعو محمد عبد الرحيم الغزالي كل قارئ وكل باحث عن الحق إلى أن يضع المصطلح في موضعه، وأن يعود إلى القرآن بروح الباحث المتجرد من الهوى، مؤمنًا أن الفهم الصحيح لنصوص الوحي هو السبيل لنهضة الأمة.
إنه ليس مجرد كاتب، بل صوت جديد يربط بين المنطق والوحي، ويعيد إلى الأذهان صورة المفسر المجتهد الذي يحمل مشعل العقل والإيمان معًا. وبهذا، يظل الغزالي شاهدًا على أن القرآن كتاب عقل وقلب معًا، لا تنفصل فيه الحقيقة عن الإيمان، ولا ينفصل فيه الوحي عن نور المنطق.
وإذا كان لكل كاتب بصمة، فإن بصمة الغزالي تكمن في صياغة معادلة فريدة: “إيمان لا يلغيه العقل، ومنطق لا يتجاوز الوحي”.






المزيد
ياسر شرف… مرشد الحضارات وصانع الجسور بين الشرق والغرب
صوت يروي المشاعر: حوار مع الأستاذة ماجدة، أفضل فويس أوفر 2024
مهزلة أن تكون أنت: رحلة الحبر والأمل مع ملاك يحيى عبدالله النجار