رد: بين الانحناءة واليقظة بقلم أمجد حسن الحاج
ردًا على الكاتبة سجى يوسف
سجى…
ما أجمل الكلمات حين تُكتب من قلبٍ يُدرك حجم التيه الذي نعيشه،
وما أعمق الحروف حين تنبض بشيءٍ من الحنين والاعتذار عن واقعٍ لم نختره تمامًا،
لكننا – شئنا أم أبينا – كُنّا أحد صنّاعه.
نعم، لم تنحنِ الرقاب خضوعًا،
بل كثيرًا ما انحنت بحثًا عن فرار،
عن غيابٍ يليق بالأرواح المثقوبة،
عن صدفة تشبه الحياة التي لم نعد نجدها في الواقع.
لكنك يا سجى، وإن كنتِ محقة في الوصف،
غفلتِ عن أن طول الانحناءة يُميت الفطرة،
وأن اعتياد الهروب يُعمي البصيرة،
وأننا حين نُسكن وجعنا خلف شاشة، فإننا نقتل كل وسيلة للشفاء الحقيقي.
تقولين إننا نُطالع الشاشات خوفًا من الفراغ،
لكن ألم نسأل أنفسنا:
أين ذهب ذاك الخلو الذي كان ممرًا للسكينة؟
أين ذهب ذِكر الله في لحظات الوحدة؟
أين ذهبت تلك السجدات التي كانت تملأ خواء القلب نورًا وطمأنينة؟
كنا إذا ضاقت بنا الدنيا،
نفتح المصحف لا الهاتف،
نلجأ للسجادة لا للتطبيق،
نسكب دموعنا في محراب الليل، لا في صندوق رسائل لا يردّ فيه أحد.
سجى، لا أنكر أن الهاتف جسر،
وأن الشاشة نوافذ،
لكن… ليست كل نافذة تطلّ على الحياة،
بعضها يفتح على هاوية لا يُرى قاعها إلا حين نسقط فيها.
أين آباؤنا الذين ربّونا على صوت المؤذن؟
أين جلسات الذكر بعد المغرب؟
أين القرآن يُتلى لا يُصوّت فقط؟
أين التفكّر في خلق السماوات والأرض،
لا في عدد المشاهدات والإعجابات؟
إن أولى النصائح الربانية للعبد لم تكن “تواصل” بل كانت: “اقرأ”،
ولم تكن “انظر هاتفك” بل: “أقم الصلاة”،
فمن ضيّع صلته بخالقه،
لن تُجدي وصالات الشبكة شيئًا له.
يا صديقتي…
ليس الحديث ازدراء لمن أنهكته الحياة،
بل دعوة للعودة إلى مصدر الحياة،
دعوة للتوازن، لا القطيعة،
دعوة لنقول: نعم، أحتاج إلى لحظة هدوء…
لكنها لحظة مع الله، لا لحظة مع هاتفٍ يزيدني ضياعًا.
فالروح لا يُحييها ضوء الشاشة،
بل نور السجود،
ولا يُطهرها حديث متقطع،
بل مناجاة خالصة لا يُقطعها انقطاع الشبكة.
سجى،
ما زلتُ أقول: ارفع رأسك، لا تكبّرًا،
بل شكرًا لله الذي وهبك عقلًا وفكرًا،
واستعمل نعمه فيما يرضيه،
فإن الجسد حين يُدفن،
لن يُسأل عن عدد متابعيه…
بل عن قلبه: “يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.”
رفقًا بأرواحنا،
ولتكن عودتنا إلى الله هي اليقظة الحقيقية.






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد