كتبت منال ربيعي
في مملكةٍ عظيمةٍ يحكمها الملك النعمان، عُرف العدل والرخاء، لكنه ظل حزينًا رغم كل شيء، فقد تأخر في إنجاب وريثٍ للعرش. وحين رزقه الله بولدٍ على كِبر، أسماه قمر الزمان، وكان الولد كما تمنّى وأكثر. نشأ قمر الزمان فطِنًا، واسع المعرفة، نبغ في الفلسفة والعلم حتى بلغ به عقله حدًا جعله يؤمن بفكرة غريبة:
“الشر متجسّد في المرأة، أينما حلّت، حلّ الخراب!”
لم يكن يرى فيها إلا سببًا للضعف والانحطاط، لذا رفض الزواج رفضًا قاطعًا، مما وضع الملك النعمان في مأزق. إذ كيف لولي العهد أن يمتنع عن إنجاب وريث؟ حاول والده إقناعه بشتى الطرق، لكنه كان يزداد عنادًا، حتى اضطر الملك إلى عزله وحبسه في برجٍ مهجورٍ داخل القصر، على أمل أن يعيد التفكير في أمره.
لكن البرج لم يكن كما بدا…
فقد كان مسكونًا بجنيٍّ وجنيّة، يدعيان مرجان ومرجانة. حين رأته مرجانة، هامت به حبًا من النظرة الأولى، همست بذهول:
“يا مرجان! لم أرَ بشرًا بجماله!”
لكن مرجان، الذي كانت الغيرة تأكل قلبه، ضحك ساخرًا:
“أوه، لو رأيتِ الأميرة شمس الزمان، لعلمتِ أن هناك من يفوقه حسنًا!”
لم تصدقه مرجانة، فقرر مرجان أن يحضر الأميرة بنفسه ليقارن كلاهما بين الجمالين. وفي لمح البصر، كانت الأميرة شمس الزمان، أجمل نساء الأرض، مسجاة بجوار قمر الزمان، نائمة كما لو أن سحرًا غلفها.
عند الفجر، فتح الأمير عينيه، ورأى وجهًا لم يره مثله قط. للحظة، ظن أنه لا يزال في حلمٍ، أو أن هذه خدعة من والده. لكن قلبه خفق بقوة، واقترب منها دون أن يشعر، وعندما لم يستطع مقاومة انجذابه، طبع قبلة عميقة على شفتيها، ثم ابتعد بصدمة وكأنه ارتكب جريمة.
“لا، إنها خدعة! هذه مكيدة!”
لكنه لم يستطع إنكار ما حدث داخله. أراد أن يتركها بلا أثر، لكنه انتزع خاتمه ووضعه في كفها، كأنما يمنحها شيئًا من روحه قبل أن يختفي.
لكن مرجانة، التي اشتعل قلبها غيرةً، قررت أن تفصل بينهما، فأيقظت الأميرة قبل أن يتمكن الأمير من التعلق بها أكثر. وعندما استيقظت شمس الزمان، لم ترَ سوى وجهه الوسيم، فهامت به كما هام بها. لكنها حين مدت يدها تلمسه، اختفى!
نقلها الجنيان بعيدًا، وأُعيد الأمير إلى وحدته، لكنه كان يظن أن والده خدعه ليزوجها له. في الصباح، ذهب إلى الملك النعمان، طالبًا منه أن يزوجه الفتاة التي رآها في البرج. لكن والده أقسم أنه لم يحضر أية فتاة، وذكّره بموقفه الصارم تجاه النساء.
حينها، أدرك قمر الزمان أن الفتاة لم تكن وهمًا، بل حقيقة، واختطفها القدر من بين يديه. فامتطى جواده، وهام على وجهه، يجوب الممالك باحثًا عنها، متعلمًا في طريقه فنون العلاج بالأعشاب، متخذًا من الحكمة سلاحًا ومن الجبال والبراري مأوى.
نهاية الرحلة، وبداية الحب
بعد سنوات من الترحال، دخل إلى مملكةٍ يعاني ملكها من مأساةٍ عظيمة: ابنته، الجميلة شمس الزمان، تعاني من مرضٍ غامضٍ عجز الجميع عن علاجه، وكان الملك قد أعلن أن من يعالجها، سيفوز بيدها.
حين دخل قمر الزمان القصر، وقعت عيناها عليه، فتألقت روحها كأنها نادت على حبيبها منذ زمن. نهضت من سريرها، وركضت نحوه، قبلته بشغفٍ، وكأنما استردت الحياة من شفتيه. وعندها، حدثت المعجزة…
شُفيت الأميرة تمامًا، وكأنها لم تمرض يومًا. وحين سُئلت عن سبب شفائها، لم تقل سوى:
“لقد عاد إليّ روحي!”
أدرك قمر الزمان أن رحلته لم تكن للهرب من الحب، بل للعثور عليه. تزوجها وعاد بها إلى مملكته، ووقف أمام والده، قائلاً:
“كنت مخطئًا، يا أبي. لم تكن المرأة شرًّا… بل كانت النور الذي أنقذني من ظلامي.”
وهكذا، انتهت رحلة الأمير العازب، ليبدأ رحلة جديدة… كملكٍ أحبَّ وأحبَّه شعبه.
النهاية
المزيد من الأخبار
أسطورة الرجل الذي أحب
وسط الطريق المظلم
مكالمة بعد منتصف الليل