كتبت: خولة الأسدي
لا تخَفْ، لم تَعُدْ ردودُ أفعالي حادَّةً كما السابق.
لا أعلم متى اعتدتُ الكذبَ حتى أصبح أمرًا مُسَلَّمًا بوجوده في الجميعِ من وجهةِ نظري!
وأصبحتُ، عوضًا عن نبذِ الكاذبين وإخراجِهم من حياتي كما كنتُ أفعلُ حين لم أكنْ قد تقبَّلتُه كعيبٍ بشريٍّ لا مَهْرَبَ منه، أتعاملُ مع كلِّ شخصٍ بذاتِ التوقُّعاتِ الساذجةِ التي كنت، ولم أستطع، ولا أريدُ الخلاصَ منها، وحينَ أكتشفُ كَذِبَ شخصٍ، أكتفي بإغلاقِ أبوابِ قلبي دونه، حتى ولو كان ذلك بصمتٍ لا يجعله يعرفُ بالأمر، ولكنَّه ردُّ فعلٍ هادئٌ هذَّبَتْه مرارةُ التَّجارِب، ولا يُشبهُ بشيءٍ ردودِي الناريَّةَ سابقًا.
لكنِّي ما زلتُ أنتظرُ من الآخرِ ما يمكنُ له أن يجدَه مني، وهكذا انتظرتُ الصدقَ دومًا، وإن لم أعدْ أُخبرُ الآخرينَ بكرهي للكذبِ، على أملِ أن يتجنَّبوه معي إن كان من خِصالِهم، ولا أدري: هل لإدراكي أخيرًا عبثيَّةَ ذلك التَّحذيرِ المُبطَّنِ بالرَّجاءِ؟ أم لسببٍ آخرَ لم أفهمْه بعدُ؟!
لكنِّي أعلمُ أني، ورغمَ توقُّعاتي البَلْهَاءِ كما قلتَ لك، لم أعدْ أُصْدَمُ حدَّ التَّحَطُّمِ حينَ أكتشفُ كَذِبَ شخصٍ لم أتوقَّعْ ذلك الفعلَ منه، بل وحتى لا أُواجِهُه، ولا أتَّخذُ موقفًا إزاءَ الأمر، على الأقلِّ علنيًّا، أمَّا في داخلي، فإنَّ علاقتي مع الأشخاصِ تبدأ نقيَّةً، وكلُّ الاحتمالاتِ المستقبليَّةِ لها سماويَّةٌ، في انتظارِ فعلٍ يُنزِلُ الشَّخصَ المنزلَ الشاغرَ من روحي، الذي لم يطأْهُ بشرٌ، رغم شدَّةِ تشوُّقي لِمَلئِهِ، أو آخرَ يستبعدُه من قائمةِ الأشخاصِ المُحْتَمَلِينَ لتبوُّئِهِ.
وهكذا، أصبحتُ إذا اكتشفتُ كَذِبَ أحدِهم، كلُّ ما يحدثُ هو أنَّ شيئًا ما يتحطَّمُ في داخلي بصمتٍ، دون أن يُخلِّفَ حتى ألمًا ملموسًا، ورغم أني غالبًا ما أستمرُّ في التَّعامُلِ مع الشَّخصِ باعتياديَّةٍ، لا يمكنُ له معها الشُّعورُ بشيءٍ أو بأيِّ تغيُّرٍ، إلا أني في أعماقي لا أعودُ أشعرُ به، ولا أستطيعُ، مهما حاولتُ، ومهما صنع لي أو أبدى من المشاعر، مُبَادَلَتَه مشاعِرَه!
أتعلم؟
قال لي أحدُهم يومًا: إنَّ ما نكرهُه ونخافُه، هو ما نحصلُ عليه.
ومن حينها، وأنا أحاولُ أن أتعاملَ مع الكذبِ كصِفَةٍ عاديَّةٍ، مثلها مثل الغباءِ وما شَاكَلَ ذلك، فقط كي لا أتعثَّرَ بالكاذبين نتيجةَ قوَّةِ الجَذْبِ. ولكني، ومع كلِّ اكتشافٍ لكاذبٍ آخرَ في مُحِيطِي، أُدركُ أني فشلتُ في تجاهُلِ مشاعري، وما زلتُ تلك النَّاقمةَ على هذه الصِّفَةِ وحَامِلِيها، وإن أصبحت ردودُ أفعالي أكثرَ هدوءًا، ولو ظاهريًا.
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية