إلى من لم يعد هنا

Img 20250214 Wa0028

 

كتبت سهيلة أحمد عامر

عزيزي السيد راء أجمعتُ

هذه الرسائل من قلبٍ لم يتوقف عن النبض باسمك، من روح لا تزال تبحث عنك في تفاصيل الأيام. أكتب إليك رغم يقيني أنك لن تقرأ، لكن ربما تصل كلماتي إلى جزء منك لم ينسَ بعد…”

 

“أتذكر كيف بدأ كل شيء؟ أتذكر كيف كنتَ مجرد شخص عابر، وكيف تحولت إلى عالم بأكمله؟”

 

في ذلك اليوم، لم أكن أعلم أن نظرتك العابرة ستُحفر في ذاكرتي، أن كلماتك العابرة ستصبح نشيدي اليومي، أن وجودك، الذي لم يكن يعني لي شيئًا حينها، سيصبح أثمن ما لدي. كنتَ كالغريب الذي يمرُّ في حياة شخصٍ دون أن يعلم أنه سيترك أثرًا لا يُمحى. لم أكن أدرك أن لقاءنا الأول كان بداية لعاصفة ستقتلعني من جذوري وتتركني في العراء.

 

كل شيء كان بسيطًا… إلى أن أصبحتُ أراك في كل شيء، أبحث عنك في الوجوه، أسمع صوتك بين الحروف، وأشعر بوجودك حتى وأنت بعيد. لكن، هل كان هذا حقيقيًا؟ أم أنني كنت أعيش في وهم صنعته بنفسي؟

 

“الغياب يقتل ببطء، لكنه لا يقتل الذكرى… بل يحييها أكثر، يجعلها تتوحش داخل القلب، تحفر فيه حتى ينزف.”

 

أشتاق إليك، أشتاق رغم كل شيء. رغم الغياب، رغم البعد، رغم الصمت الذي أصبح لغة بيننا. لا أريد أن أشتاق، لا أريد أن أعود كل ليلة لأبحث عنك بين كلماتي، بين رسائلي القديمة، بين الذكريات التي أحاول دفنها لكنها تأبى أن تموت.

 

هل تشعر بي كما أشعر بك؟ هل يمرُّ اسمك في ذهني كما يمرُّ اسمي في ذهنك؟ أم أنني مجرد ظل مرَّ من حياتك ولم يعد له وجود؟ الغياب مؤلم، لكنه ليس أقسى من أن تكون حاضرًا في داخلي بينما أنتَ بعيدٌ في الواقع.

 

“أحيانًا لا يكون الفراق مجرد قرار… بل خيانة لصوت القلب.”

 

لا ألومك على الرحيل، لكنني ألومك على الطريقة التي رحلت بها. على كل الوعود التي تركتها معلّقة في الهواء، على كل الكلمات التي كنتَ تقولها وأنت تعلم أنها ليست سوى كلمات، على كل مرة جعلتني أصدق أننا قصة لا تنتهي، ثم تركتني في منتصف الطريق دون تفسير.

 

الخيانة ليست دائمًا أن تحب شخصًا آخر… أحيانًا تكون الخيانة أن تجعلني أؤمن بك، ثم تترك يدي دون سابق إنذار. كنتَ كالوهم، جميلٌ من بعيد، لكنه يتلاشى بمجرد الاقتراب منه.

 

“نسيانك لم يكن خيارًا… لكنه كان ضرورة للحياة.”

 

حاولت أن أنساك، لكن النسيان ليس زرًّا يمكن إيقافه. حاولت أن أعيش دون أن أبحث عنك في كل شيء، لكن العالم كله كان يذكّرني بك. في الأماكن التي مررنا بها، في الأغاني التي استمعنا إليها، في العبارات التي كنت ترددها حتى أصبحت جزءًا مني.

 

لكنني اليوم أقف هنا، أقوى مما كنت. لم يعد اسمي يقترن باسمك، ولم يعد صوتك يعيدني إلى الماضي. ربما لم أنسَك تمامًا، لكنني تعلمتُ كيف أعيش دون أن أحتاجك. تعلمتُ أنني لستُ نصفًا ينتظر نصفه الآخر، بل أنا كيان كامل بذاتي.

 

“السلام ليس أن أنساك… بل أن أتقبّل أنك لم تعد هنا.”

 

مرت الأيام، وهدأت العاصفة، ولم يعد في داخلي ذلك الصراع الذي كان يمزقني. تعلمت أنني لا أحتاج إلى إجابة لكل الأسئلة، ولا إلى تفسير لكل ما حدث. أحيانًا، يكفي أن نترك الأشياء تمضي، أن نقبل أن بعض القصص لا تكتمل، وبعض الأحلام تظلُّ مجرد أحلام.

 

لم أعد أبحث عنك في الأماكن القديمة، ولم أعد أكتب إليك كما كنت أفعل. لكنني اليوم أكتب هذه الرسالة الأخيرة، لا لأنني ما زلتُ أنتظرك، بل لأنني أودعك أخيرًا.

 

“ربما هذه كلماتي الأخيرة إليك، أو ربما سأكتب مرة أخرى عندما ينهكني الحنين… لكن حتى ذلك الحين، سأدع هذه الرسائل تسبح في الفراغ، علّها تجد صداها في روحك ذات يوم.”

 

 

لِـــسُهيلة أحمد عامر .

عن المؤلف