بقلم:- سلسبيل حسين
في غياهب الحياة حيث تقف الرياح وتتمايل الأشجار بين الأمل واليأس، يبقى الرضا هو السيف الذي لا ينكسر، والنبراس الذي يضيء دروب النفس في أوقات الظلام. إن الإنسان الذي يرضى بما قُسِمَ له، ويرى في كل ما يمر به درسًا، يظل صامدًا أمام تقلبات الزمن، قويًا في وجه محن الحياة. فالقناعة، يا صاح، هي القلادة التي تزين عنق الروح، وهي النور الذي يبدد ظلمات الطمع والجشع، ويمنح القلب راحة لا يراها سوى من يملك حواس السكينة.
من زرع في قلبه الرضا، حصد ثمرات الحياة دون قلق، فليس الفقر إلا غنى في القناعة، ولا الفشل إلا سلمة نحو النجاح. والعقول التي لا تكتفي بما هو بين يديها تعيش في قلق دائم، لا تهدأ ولا تهنأ، فهي أشبه بمن يطارد السراب في الصحراء، وما أن يقترب منه حتى يبتعد، فيظل يلهث وراء الأماني التي لا تتحقق، وتظل الروح جائعة إلى ما لا يُدرك. أما من ركن إلى القناعة، فتراه يسير في الحياة بهدوء، لا يشتري السعادة بثمن غالٍ، بل يكتفي بالقليل ويجد فيه كثيرًا.
إن التوفيق بين طموحات النفس ورضاها بما تحقق هو أعظم دروس الحكمة، فالمؤمن الذي يرى في رزقه من الله حكمة، وفي أقداره مصلحة، يظل في أمانٍ داخلي، مهما كانت العواصف من حوله. “إنما الرضا هو سحر الحياة، لا تكتمل إلا به”، هكذا يقول الحكماء، لأنه لا يعطينا فقط السلام النفسي، بل يمنحنا القدرة على التكيف مع متغيرات الواقع، ومن ثم نجد في اللحظة الحالية ثروة لا تقدر بثمن.
ففي أعماق الرضا تكمن القوة، وفي تجاويف القناعة يسكن النعيم. ومن عاش بهذه القيم، كان ملكًا في قلبه، رغم عجز الدنيا عن تقديم المزيد.
المزيد من الأخبار
إلى فيروز نهاد حداد
الوقت لا يشفي الجراح
الاختلاف والتغيرات