ليلة الهلال الذهبي

Img 20241127 Wa0068

 

 

كتبت الشيماء أحمد عبد اللاه 

 

 

في قرية صغيرة عند أطراف الصحراء، حيث تتلاقى النجوم مع الرمال، كانت هناك عادة قديمة تتوارثها الأجيال: ليلة الهلال الذهبي.

 

 في هذه الليلة التي لا تأتي إلا مرة كل عام، تجتمع الأسر حول مائدة خاصة تُعد بعناية فائقة، وتُزيّن بأطباق تعكس روح التراث وأحلام المستقبل.

 

كان الجد “سالم”، حارس الحكمة في القرية، يجلس في وسط الساحة الكبرى، ينظر إلى القمر الذي اكتمل نصفه متوّهجًا كأنه قطعة ذهبية في السماء، وفي قلب المائدة، كان يقف طبق الحلوى الكبير، تحيط به الزخارف والنقوش التي تروي قصة القرية. 

 

كان الطبق أشبه بتحفة فنية، يحتوي على مسجد صغير منحوت بدقة وسط بحر من الحلوى المزيّنة بألوان الطبيعة.

 

قال الجد بصوت عميق يحمل دفء الحكايات: “هذه المائدة ليست طعامًا فقط، إنها رسالة من أجدادنا الذين علّمونا أن الجمال في التفاصيل، وأن الطعام ليس لسد الجوع فحسب، بل هو لغة نبني بها روابطنا ونحكي بها قصصنا”.

 

 جلست حفيدته الصغيرة “ياسمين” بجانبه، تنظر بعيونها البراقة إلى الطبق المدهش. سألت ببراءة: “جدّي، ما حكاية هذا المسجد في وسط الحلوى؟”.

 

ابتسم الجد وربّت على رأسها قائلاً: “قبل مئات السنين، كانت هذه القرية تعاني من الجفاف والمحن.

 

 اجتمع أهلها يومًا تحت الهلال الذهبي، ودعوا الله أن يمنحهم الماء والرخاء، تعهّدوا حينها أن يجعلوا من الطعام فنًا يحتفون به كل عام كرمز للامتنان والوفاء.

 

 في تلك الليلة، ظهر رجل حكيم قادم من بعيد، يحمل معه وصفة حلوى فريدة، قال إنها تجلب البركة والسلام. بنوا مسجدًا ليشكروا الله على رحمته، ومن يومها أصبح هذا الطبق رمزًا لقوتنا ووحدتنا.”

 

جلست العائلة بأكملها حول المائدة، كل فرد يأخذ قطعة صغيرة من الحلوى وكأنها قطعة من التاريخ، يتذوّقها بروح الامتنان.

 

 كانت الأضواء الخافتة من القناديل تمنح المشهد دفئًا خاصًا، فيما انعكس ضوء الهلال على الأواني النحاسية المحفورة، ليُضفي سحرًا يحيي الروح.

 

لكن الحدث الأكبر كان عندما بدأ الأطفال الصغار يتجمّعون حول الجد، يطلبون المزيد من الحكايات.

 

 أخبرهم عن كل نقش على الطبق: الورود ترمز للسلام، النجوم للحلم، والمسجد للأمل، ومع كل كلمة، كانت ياسمين تشعر أنها لا تأكل مجرد حلوى، بل تبتلع قصة تنبض بالحياة.

 

وعند نهاية السهرة، وقف الجد، رافعًا كأس الشاي المغلي بعطر الهيل قائلاً: “ليكن الهلال شاهداً على محبتنا لبعضنا. 

 

لنحافظ على تراثنا ونضيف إليه لمساتنا، كي تبقى هذه المائدة رمزًا لكل جيل يأتي بعدنا.”

 

مرت السنوات، وكبرت ياسمين،

في ليلة الهلال الذهبي القادمة، كانت هي من تجلس وسط الساحة، تحكي للأطفال عن حكاية جدّها والطبق الذهبي، لتستمر الحكاية كما استمر الهلال في السماء، شاهدًا على أجيال لا تتخلى عن تراثها، بل تصنع منه جسورًا للحب والخيال.

عن المؤلف