شتاء اللاجئين؛ صراع البقاء 

Img 20241126 Wa0024

 

كتبت: هاجر حسن 

 

 

صفير الرياح الباردة أتى ليعلن عن قدوم الشتاء، فجُمدت الحرارة كما جَمُدت قلوب ذاقت القهر والعناء. تلك الرياح، صريرها يجمد الأجساد، يخترقها كالرصاص. 

 

الجميع يركضون هنا وهناك في مواجهة الرياح العاتية، أيادٍ تتشبث بحبال متهالكة، وأخرى تحتضن صغارًا زرقاء الوجوه ترتعش من الألم. بكاء مكتوم يخنق الأجواء، والرجفة تسطير على الخيام، تمامًا كما تسيطر الرجفة على أجساد أنهكتها قساوة الأيام. 

 

أرواح تناضل للبقاء وسط عالمٍ خلا من دفء الجدران، حيث لا وجود للملابس الثقيلة، فالملابس مهترئة بالية، لا تقوى على صراع البرد، ولا وجود لرائحة طعام يدفئ الأجساد المرتجفة، ولا نيران حطب حية. أما الغطاء الوحيد لديهم، فهو السماء، فتتهاوى عليهم قطرات الغيث، كخراطيش هلاك. 

 

هذا هو شتاء اللاجئين في مخيمات، غزة وسوريا ولبنان، حيث تتحول رؤية الثلوج البيضاء من رمز للأمل إلى أجراس إنذار الهلاك. 

أصبح الشتاء موسمًا للرعب، يشعل القلوب خوفًا على الأرواح اللاجئة، ويلهب قلوب من يراقبون بألم من بعيد، عاجزين عن الفعل. 

 

لم تعد كل القلوب ترحب بالشتاء؛ فهناك من يراه وحشًا بأنيابٍ جليدية ينهش الأجساد. انظر إلى بائعة الكبريت في حكاياتها، ثم انظر إلى أجساد تجمدت، بلا دفء يحنو، لا بيوتًا تؤويها، ولا إنسانية تنقذها. 

أرواح صعدت للسماء، كأنها رسائل تتناثر في الفضاء، تاركة خلفها أجساد جمدت، شاهدة على خيانة البشر. 

 

 

لم يكن شتاء غزة وسوريا ولبنان هكذا. أين البيوت الدافئة في غزة التي كانت تحتضن الأحلام؟ وأين كرات الثلج المتساقطة بأمان في باحة الأقصى، والجميع يملؤهم الدفء والسلام؟ وأين الأطفال ورجل الثلج على جبال لبنان؟ وأين شوارع سوريا التي كانت تمتلئ برائحة المطر وطعام الشتاء؟

 

إن العيب ليس في طقس الشتاء، بل في قلوب متجمدة أقسى من الحجارة. غدرت بالبشرية، وحرمت اللاجئين أراضيهم، وتركتهم يعانون في أراضٍ جرداء. 

 

ما يحدث الآن للاجئين في المخيمات لن يمر مرور الكرام. هذه الرجفة في أجسادهم، وهذا الألم الصامت، يراه ويعلمه الله. اللهم أهلك كل من تسبب في هذه المعاناة، واجعل زمهرير الشتاء يلفح أرواحهم ببرودته، كما أذاقوا الأبرياء كل ذاك الألم. 

 

رغم كل ما نراه من معاناة، يبقى الأمل يلوح في الأفق. سيأتي يوم تعود فيه الثلوج رمزًا للفرح، والمطر بشارة خير، ودخان المدافئ يصعد مع نسمات الهواء العليل، يرسم في السماء سحابة الفرح. سيعود شتاءٌ ينشر الدفء في غزة وسوريا ولبنان، وستختفي خيام النازحين كما يذوب الثلج تحت شمس الأمل، لتعود أوطانهم الدافئة من جديد.

عن المؤلف