أسطورة الرجل الذي أحب

Img 20250319 Wa0064

كتبت منال ربيعي 

 

مارس:

كنتُ رجلَ الحرب، تهدرُ في عروقي نيران المعارك، تشتعلُ في قبضتي سيوف الغزو، وتتحطمُ بين يدي الأشجار كما تتحطمُ الأعداء. لم أعرف الحبَّ يومًا، ولم أؤمن به، فالحياةُ عندي كانت سيفًا، وغريزةً، وغنائم. النساءُ كنَّ كالماء، يُشربْنَ ولا يُحَبَبْن، يُؤخذْنَ ولا يُشتَاقُ إليهنّ، حتى جاءت هي… فينوس.

 

رأيتها أول مرةٍ في الماء، لمحتُ وجهها حين انحنيتُ لأشرب، وحين رفعتُ سيفي، كانت صورتها في نصله. في أحلامي، كانت تعانقني، تقبّلني، تهمسُ باسمي، حتى بتُّ أتوقُ لها، أنظرُ للسماء فلا أرى إلا زرقةَ عينيها، أرى الشمس فلا أرى إلا لمعان شعرها الذهبيّ.

 

وذات ليلةٍ، ظهرت لي، ليست طيفًا، بل امرأةً حقيقية، تقفُ أمامي بفستانها الذهبيّ يُعانقُ جسدها، بأنفاسها الدافئة تمسُّ وجهي، وبعطرها يُسكرني كما لم يُسكرني نبيذٌ من قبل.

 

اقتربتُ، ولمستُها كما يلمسُ العابدُ معبوده. قبَّلتُها بشوقِ قرونٍ من الجفاف، عانقتُها كأنني وجدتُ أخيرًا الوطنَ في صدرِ امرأة.

 

فينوس:

“يا مارس…”

 

همستُ باسمه، فرأيتُ قلبه يرتجف، رجلُ الحربِ يخشى امرأة؟ أم يخشى حبًّا لا يفهمُه؟

 

حين احتواني، لم يكن كرجالِ قومه، لم يأخذني كما يأخذون، بل تملكني كما يملك العاشقُ حبيبته. لمستُ وجهه، رأيتُ النارَ التي تحترقُ في عينيه، نارًا لم تُشعلها الحربُ بل الحبُّ نفسه.

 

لكن الحبَّ وحده لا يكفي…

 

“لكي تنالني، عليك أن تعلّمهم الحبّ، أن تجعلنا، أنا وأنت، صورتين للحبِّ والشهوةِ معًا. أنا قرينتك الأبدية، لكن ليس بعد أن تحوّل قبيلتك من وحوشٍ إلى بشر. اجعلهم يعرفون العناق، والقبلة، والاشتياق، لا الجسد فقط بل الروح… وحينها، سأكون لكَ إلى الأبد.”

 

مارس:

عدتُ إلى رجالي، إلى القساةِ من بني جنسي، نظرتُ في عيونهم فلم أرَ إلا الوحش الذي كنتُه، سمعتُ أصواتهم ولم يكن فيها نداء القلب. لم يكن أمرًا سهلًا، لكني بدأتُ أخبرهم عن فينوس، عن الحبِّ الذي لم يعرفوه، عن العناق الذي لا ينتهي بعد أن ينطفئ اللهب، عن الجسد الذي يُمنح شوقًا لا قهرًا.

 

في البداية، سخروا مني، ثم قاوموني، ثم أصابتهم الحيرة… وفي النهاية، تغيّروا.

 

لم يعودوا يأخذون النساءَ قسرًا، بل أحبّوهنّ، ورأوا في عيونهنَّ السعادة لا الخوف، وعرفوا كيف يكون اللمسُ رجفةً قبل أن يكون غريزة.

 

وحين تحقّق الوعد، وقفتُ في الغابة، وصرختُ باسمها، فاستجابت السماءُ لي.

 

فينوس:

نزلتُ إليه، كما وعدته، وسط نورٍ ذهبيٍّ تلألأ في الليل، تحيطُ بي أزهارُ الحبق، وتُعطِّرُني نفحاتُ أفروديت، إلهةِ الحبِّ والجمال، التي باركت حُبَّنا، ووهبتني لمارس كما وُهِبَ القمرُ للّيل.

 

حين احتواني، عرفتُ أننا أصبحنا أسطورة، أن حُبَّنا صارَ أبديًّا، وأنني لن أكون له ليلةً واحدة، بل حياةً كاملة.

 

وتردَّد صوتُ أفروديت من الأعالي:

“باركتُ هذا الحبّ، ليصبحَ هو الحبّ الأول، ليكونَ شعلةَ العشقِ بين الرجالِ والنساء، ليكونَ الحبُّ توأمًا للجسد، فلا تُسرَقُ القُبل، ولا يُؤخذُ العناق، بل يكونُ اشتياقًا مشتركًا، ورغبةً مقدّسة.”

 

مارس:

ومنذ ذلك اليوم، لم نكن أنا وفينوس رجلًا وامرأةً فقط، بل كنا أسطورةً… أسطورةَ الحبِّ الأول.

عن المؤلف