لولا البلاء، لما كنتُ أنا

Img 20250306 Wa0043

 

الكاتبة:- سلسبيل حسين 

 

لولا البلاء الذي اعتصر قلبي وألقى بي في لجج التعب، لما عرفت كيف أقف صلبةً حين يهتز الجميع، ولما أدركت أن في داخلي نورًا لا يخبو مهما حاولت ظلمة الحياة أن تطفئه. لم يكن الطريق معبّدًا بالورود، بل كان شائكًا حدّ النزف، وعاصفًا حدّ الانكسار، لكنني كنت كلما هوى بي القدر إلى قاع الألم، خرجت أقوى، أعمق، وأكثر وعيًا.

 

حُرمت كثيرًا، وسُلبت مني أشياء حسبتها ملكي الأبدي، ورأيت أبوابًا تُغلق أمامي حين كنتُ بأمسّ الحاجة إلى فتحها. بكيت لياليَ طويلة، شعرت بالخذلان حتى من نفسي، وامتلأت يداي بجراح السعي دون أن أجد ما أبحث عنه. لكنني اليوم أنظر إلى كل ذلك بعين الرضا، لا لأن الندوب تلاشت، بل لأنها صارت أوسمة تُثبت أنني عبرتُ تلك المحن ولم أعبرها فارغة اليدين، بل ملأني الصبر، ملأني الإيمان بأن لكل شيء حكمة، وأن ما فقدته لم يكن لي من الأساس.

 

علّمتني المحن أن القوة ليست في تجنّب السقوط، بل في النهوض بعده بكرامةٍ وثبات، وأن اليأس خديعة الوهن، يوسوس لنا بأن لا سبيل، بينما الطريق ممهّد لمن يتجرأ على السير فيه رغم العتمة. تعلّمت أن الألم ليس لعنةً بل اختبارٌ لصقل الروح، وأن الحزن ليس النهاية، بل بداية النضج الذي لا يمنحه الرخاء.

 

واليوم، أقف على هذه الأرض بنفسٍ مطمئنة، أعرف أنها لم تُخلق لتُطابق أحلامي، بل خُلقت لأجاهد فيها، لأكافح، وأرتقي رغم العثرات. أصبحت أرى في الحرمان درسًا، وفي الفقدان حكمة، وفي الألم مفتاحًا لوعيٍ أعمق. صرت أعلم أن البلاء لم يكن إلا معلمًا قاسيًا، لكنه أعدل المعلمين وأصدقهم، فهو وحده من كشف لي حقيقتي، وأظهر لي مدى احتمالي، ووضعني أمام ذاتي بكل شفافية.

 

لولا البلاء، لما كنتُ أنا. لما استطعتُ أن أرى الحياة بهذا العمق، ولا أن أواجهها بهذه القوة. لم أعد أبحث عن حياة خالية من الألم، بل عن قلب قادر على احتماله، ونفسٍ تعرف أن العوض حتمي، وأن الصبر ليس مجرد انتظار، بل يقينٌ بأن كل هذا لم يكن عبثًا، وأن كل سقوطٍ كان ليعلّمني كيف أطير.

عن المؤلف