كتبت: خولة الأسدي
وأقبل رمضانُ الذي انتظرناه طويلًا، وخططنا لأيامه كثيرًا، دون أن يدور بخلدنا غدرُ الأيامِ وتقلباتُها!
أتى أخيرًا، ولكنك لن تشاركني تفاصيلَه، تمامًا كما أخبرني قلبي المتوجِّس، الذي حاولتَ جهدَك أن تُسفِّه توجُّساتِه، وأنت تؤكِّد لي مرارًا وتكرارًا، بإصرارك المحبَّب، أنَّه لن يكون ثمَّةَ فراقٌ.
يا عسلَ القلبِ ووجعَه، وسلوى الرُّوحِ وحزنَها، وسعادةَ الذِّكرياتِ وحنينَها!
أخبرني.. كيف سأستطيع الآن تناولَ شيءٍ ممَّا وعدتُك بإعداده لك، دون أن يُكمِّم القهرُ فمَ شهيَّتي، خانقًا النَّكهةَ في فمي قبل أن أتذوَّقها؟
وكيف سأتغلَّب على وحدتي في تفاصيلِ أيَّامِه، التي عشتُ شهورًا أزرعُك في ثناياها، مُستمتعةً بمتعةِ التخيُّل، ومتشوِّقةً للذَّةِ الحصاد؟
ومن سيكون بجواري حينما أطبخ، ينظر إليَّ بانبهارٍ، ويترقَّب ما أُعدُّه بسعادةٍ، فيما أُحدِّثُه شارحةً حينًا، وساخرةً من جهلِه أحيانًا أخرى، حينما أحاول إيهامَه بأنَّ إحدى المكوِّناتِ التي لم يتوقَّع أن تتضمَّنها تلك الوجبةُ، إنَّما أضفتُها لأجعل من طعمها شيئًا غيرَ مستساغٍ، فقط كي لا يتناولها؟
وحين يوشك على التسليمِ للشكِّ، وتبدأ ملامحُه تكتسي بالنُّفور، أقهقه من أعماقي وأنا أعترف له بالحقيقة، ليعود لعينيهِ تلألؤُهما المُترقِّب، ويضحك معي تلك الضَّحكةَ التي كانت تجعل لكلِّ لحظةٍ نكهةً خاصَّة، أدرك معها أنَّ الفرحَ لم يكن في الطَّعام، بل في وجودِك، ونظراتِك، وفي كلِّ التفاصيلِ الصغيرةِ المتعلِّقةِ بك، والتي كنتُ أظنُّها عاديَّة، قبل أن يكشف لي الغيابُ أنَّها كانت الحياةَ نفسها.
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية