حين يأتي الموت فجأة

Img 20250226 Wa0183

 

لـِ سها طارق 

 

في ليالي الهدوء، وفي لحظات غير متوقعة، يأتي الموت كضيف غير مدعو، يطرق باب الحياة بلا إنذار، ويأخذ منا من كانوا يضحكون معنا، ومن عاشوا حياتهم بشكل طبيعي دون أن يدركوا أنهم على وشك الرحيل. كم هي صعبة تلك اللحظات التي تتركنا في حالة من الصدمة والذهول، حيث تتوقف الكلمات وتتعثّر الأفكار، ويبقى القلب مثقلاً بالحزن والأسى؛ إنه في هذه اللحظات القاسية، نتلمس عمق ما يعنيه أن نكون أحياء، وندرك أن الحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات التي يجب أن نحتفظ بها ككنزٍ ثمين؛ هذا هو قدرنا في الحياة. رحلتنا قد انتهت الآن كنفاد الثواني بين الزمن، يتسرب عمرنا دون أن نشعر، لكن فقدان عزيز بشكل مفاجئ هو شعور مؤلم للغاية؛ يتوقف الزمن، وتفقد الحياة جزءًا من معناها؛ فنبدأ بالتساؤل عن الأسباب، ونتمنى لو كان بإمكاننا العودة للحظات سابقة؛ لكن في خضم الألم، نستطيع أن نستشف درسًا عميقًا: أن كل لحظة تحمل في طياتها إمكانية الفراق، وأن علينا أن نعيش بوعي، نحتفل بكل ابتسامة وكلمة طيبة؛ لكننا نعلم أننا لن نتمكن من العودة أو تغيير ما حدث؛ فالحقيقة القاسية هي أن الموت لا يعرف الانتظار، ولا يمنحنا فرصة للإشباع أو التحضير للوداع، إنه معلم صارم، يذكرنا بأن الزمن ليس في صالحنا، وأن علينا أن نكون أكثر تعبيرًا عن حبنا قبل أن تغلق الأبواب.

يعلمنا موت الفجأة أننا نعيش حياة هشة لن تدوم، وأننا لا نملك السيطرة على مصائرنا، ويجب علينا أن نقدّر كل لحظة تمر بين أيدينا، وأن نغمر أحبابنا بالحب، لأننا لا نعرف متى سيأتي رحيلهم؛ فلنكن طيفًا من البهجة في حياتهم، ونجعل من كل يوم فرصة لنزرع فيها الحب والامتنان.

 

في لحظات الفقد، نتمنى لو نسترجع لحظة واحدة من ذكرياتنا معهم، نتمنى أن نرى ضحكةً معبّرة، أو كلمةً حكيمةً كانت ترن في آذاننا. إن الذكريات هي الجسر الذي يربطنا بهم، وعبره نتجاوز حدود الفراق، لنحتفظ بجزءٍ منهم في قلوبنا إلى الأبد. الموت يأخذ منا أكثر من مجرد أشخاص؛ إنه يأخذ منا نبض الحياة وأسباب التنفس، الموت يسرق الأشياء التي نحبها.

 

قال الله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” (سورة الأنبياء، الآية 35). فلنستقبل هذا التحدي بشجاعة، ونتعلم من كل فراق كيف نكون أفضل، ونعيش بملء قلوبنا؛ فلنكن أكثر إنسانية وحبًا لأحبابنا. دعونا نتقبل رحيلهم بالصبر، ونسعى لتحقيق ما كانوا يتمنون لنا؛ لنجعل من حبنا لهم دافعًا لنعيش حياة مليئة بالمعنى، ولنتذكر دائمًا أن الحزن جزء من الحب، وأن الحب يبقى حتى بعد الفراق.

عن المؤلف