كتبت: ملاك عاطف
جَمَّدَتْني عَلاماتُ الذُّهولِ الَّتي امْتَقَعَتْ بِها قَسَماتي حينَ عَلِمْتُ أنَّ للغِيابِ دورةُ حياةٍ أيضًا!
هذا الشَّيْءُ المُرادِفُ لِمُفْرَداتِ الحُزْنِ والألم، كيفَ وُجِدَ أصلًا؟ وأيْنَ يكونُ مهدُه؟ وهَلْ سيَموتُ؟ أم سَيُميت؟
عُصْبةُ أسْئِلةٍ انْهالَتْ عَلَيَّ بِخَيْزَرانِ وَجَعِ مَنْطِقيَّتِها؛ فاسْتَفَقْتُ مِن إنكاري لِذاكَ البَغيضِ المَدْعُوِّ بالغياب، وتراءَت لي الإجاباتُ تِباعاًا؛ فعَرَفْتُ أنَّهُ سرَطانِيٌّ يولَدُ يوْمَ تعارُفِنا، ويكبُرُ بخُبْثٍ مَخْفِيٍّ مُتَوارِيًا خَلْفَ أشجارِ وُدِّنا السّامِقة، ثُمَّ يخْرُجُ إلينا مُهاجِمًا عِنْدَ أوَّلِ خِلاف ينشبُ بيننا، فترفَعُ مِطْرَقَةَ الوَداع، وتُجَهِّزُ براغي الاتِّهامات، وتأتي بِلَوْحِ التَّراكُماتِ القاسي؛ فَتَصْنَعَ مِنْهُ بابًا كبيرًا بِمِقْبَضٍ مِن تَخَلٍّ، وتُقْفِلَهُ بِمِفْتاحِ الّلا عودة مُتَناسِيًا كُلَّ حُلوٍ، وكُلَّ عفوٍ، وكُلَّ صَفْوٍ كان. ثُمَّ تكْتب علَيْهِ بِخَطِّ تَمَسْكُنٍ عريض: “إنّي أُبَرِّئُ نفسي”.
وأنسَحِبُ أنا، وَتُوَلّي أنت، أو يفْصِلُ بَيْنَنا بابُ الغِيابِ الَّذي أبدَعتَ صُنْعَهُ مُتَفَوِّقًا على النَّجّارينَ أجمَعين، ويَظَلُّ مسمارُ الظُّلْمِ يثقُبُ قلبي ويُدْميهِ بِالقَهْرِ والخذلان، وأظَلُّ أُرَدِّدُ في نَفْسي عِبارةً تفيضُ بل وتَنْفَجِرُ مِن تعاظُمِ الخَيبات: “شُكرًا لِصنيعِك”.
شُكرًا لهُ؛ لأنّي سأمْتَثِلُ أمامَهُ تِلميذةً أتَعَلَّمُ كيفَ أتَشافى، وأُكَرَّمُ حينَ أتَخَطّى، وأزيدُ احْتِرامي حينَ أحُلُّ اخْتِبارَ الدنيا بِصبرٍ بِأقلامِ كَظْمِ الغَيْظ، وأُكَبِّسُ أوراقَهُ المُمْتَنِعةَ بِدبّوسِ المُواجَهة، ثُمَّ يُقَدِّرُني القَدَرُ، فيمنَحُني شهادةَ امْتِيازٍ في الرِّضا والتَّسْليم، فأضَعُها في بِروازِ التَّحَدّي، وأُعَلِّقُهُ بِمسمارِ الحَمْدِ على حائِطِ انتِظارِ العوض.
المزيد من الأخبار
لقاء غير متوقع
جروح
التعلق المرضي وتأثيراته