انعزال

Img 20250210 Wa0025

كتبت/مريم نصر 

 

الانعزال هو ذلك الشعور العميق بالرغبة في الانفصال عن العالم، الابتعاد عن الضوضاء الخارجية، والغرق في صمت الذات. قد يكون اختيارًا إراديًا يلجأ إليه الإنسان بحثًا عن الراحة والهدوء، أو قد يكون انعكاسًا لحالة نفسية تجبره على الانطواء والابتعاد عن الآخرين. في كلا الحالتين، الانعزال ليس مجرد غياب عن المجتمع، بل هو حالة يعيشها الفرد بعمق، قد تكون ملاذًا مؤقتًا أو سجنًا يصعب الخروج منه.

في بعض الأحيان، يصبح الانعزال ضرورة، وسيلة لإعادة ترتيب الأفكار، والتخلص من الضغوط، واستعادة التوازن النفسي. في عالم مليء بالصخب والمطالب المستمرة، قد يحتاج الإنسان إلى مساحة خاصة يبتعد فيها عن الضجيج، يعيد فيها التفكير في حياته، وأهدافه، وأحلامه. في تلك اللحظات، يكون الانعزال فرصة لاكتشاف الذات، لإعادة شحن الطاقة، وللنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة بعيدًا عن تأثير الآخرين.

ولكن، عندما يتحول الانعزال من راحة مؤقتة إلى أسلوب حياة دائم، يصبح الأمر مقلقًا. العزلة الطويلة قد تفتح باب الوحدة، وتجعل الإنسان يعيش في دوامة من الأفكار السلبية، فتتسع الفجوة بينه وبين الواقع. قد يبدأ في فقدان القدرة على التواصل، والشعور بالغربة حتى بين أقرب الناس إليه. وهنا، يصبح الانعزال هروبًا أكثر منه راحة، ويؤدي إلى تراجع العلاقات الاجتماعية، ويؤثر على الصحة النفسية والعاطفية.

الانعزال ليس دائمًا اختيارًا، فهناك من يضطر إليه بسبب ظروف قاسية، كخيبة الأمل، أو فقدان الثقة بالآخرين، أو شعور عميق بعدم الانتماء. في هذه الحالات، لا يكون الانعزال حلاً، بل حاجزًا يمنع الإنسان من رؤية الحلول الممكنة. فالحياة تستمر، والناس يأتون ويرحلون، والتجارب تتغير، ومن الضروري أن يبقى الإنسان منفتحًا على العالم، حتى وإن احتاج إلى فترات من الابتعاد بين الحين والآخر.

في النهاية، الانعزال سلاح ذو حدين. يمكن أن يكون فرصة للتأمل والتجديد، ولكنه قد يتحول إلى عبء إذا استمر لفترة طويلة. السر يكمن في تحقيق التوازن، في معرفة متى نحتاج إلى الانعزال لاستعادة أنفسنا، ومتى نحتاج إلى الخروج إلى العالم، والتفاعل معه، والمضي قدمًا. لأن الحياة ليست في الهروب منها، بل في مواجهتها بكل ما فيها من تحديات وفرص.

 

_مــريــم نــصــر

عن المؤلف