الشيماء أحمد عبد اللاه
في قاعة محكمة ليست كأي محكمة، حيث الجدران مصنوعة من نورٍ خافتٍ كأنه هالة شعورٍ دافئ، أرضيتها ملساء كصفحات قلبٍ نقي، كانت هذه القضية الأغرب على الإطلاق قيد النظر.
جلس القاضي، وقد ارتدى عباءته المصنوعة من خيوط الحكمة والحياد، متوشحًا نظارته التي ترى ما لا يُرى، رفع المطرقة بيديه، دق بها ليعلن بدء الجلسة.
“أيها السادة، نفتح اليوم ملف القضية الخطرة: الخوف متهمٌ بأنه يعطل الطموح ويحبسه في زنزانة الوهم!”
جلس الخوف على كرسي المتهم، وهو يرتدي عباءة رمادية، عيناه تبتعد لتتجنب نظرات الجميع، بدا شاحبًا، لكنه يحاول أن يبدو متماسكًا.
على الجانب الآخر، جلس الأمل في مقعد الشاهد، متألقًا بلونه الذهبي، وابتسامته مشعة كفجرٍ واعد.
(بداية الجلسة)
تقدمت المدعية، الشجاعة، بخطى ثابتة، ثم قالت بصوت جهوري:
“سيدي القاضي، الحاضرون جميعًا، السلام عليكم، أقسم بالله أن أقول الحقيقية، أود أن أوضح كيف أن هذا المتهم، الخوف، يعطل عجلة الحياة، إنه يزرع الوهن في القلوب، ويخنق الأحلام كما تخنق العاصفة الزهور الغضة! بسببه، يتردد البشر في اتخاذ خطواتهم، ويتجمدون أمام أول عقبة.”
هنا، قاطعها المحامي المدافع عن الخوف، (الوعي)، وقال:
“مهلاً، سيدتي، دعونا لا نظلم موكلي، صحيح أن الخوف قد يكون عقبة أحيانًا، لكنه أيضًا حارسٌ أمين يحذر البشر من المخاطر، هل يمكننا إنكار أنه أنقذ حياة الكثيرين بتذكيرهم بالمخاطر؟ أليس هو الذي يضع حدًا للاندفاع الأعمى؟”
(شهادة الأمل)
تم استدعاء الأمل ليقف أمام الجميع، خطا بخطواته الواثقة، وقال بصوت كأنه موسيقى تصدح في وادٍ خلاب:
“أنا الأمل، الشمعة التي تضيء في عتمة اليأس، صحيح أنني أختلف مع الخوف في كثير من الأمور، لكنني لا أستطيع إنكار دوره، لقد رأيت كيف أن الخوف، إذا وُضع في موضعه الصحيح، يمكن أن يكون أداة بناء لا هدم، المشكلة ليست في وجوده، بل في سيطرته غير المبررة على النفوس، عندما يتجاوز حجمه الطبيعي، يتحول من حارسٍ إلى سجّان.”
(مرافعة الحكمة)
وقبل أن يُصدر القاضي حُكمه، تدخلت شخصية عزيزة على الجميع: إنها(الحكمة)، كانت كلمتها موزونة كأنها نجم يهتدي به الضائعون والحائرون ثم قالت:
“أيها القاضي، أيها الحضور، القضية هنا ليست إدانة أو تبرئة، الحقيقة أن كل شعورٍ وُجد لغرض، الخوف، الطموح، الأمل، وحتى الحزن، جميعهم أعضاء في توليد المشاعر البشرية، إذا كان الخوف يعيق الطموح، فربما نحتاج إلى تعليم البشر كيفية ضبطه بدلاً من القضاء عليه. الحل يكمن في التوازن سيدي القاضي.”
(الحُكم الأخير)
وقف القاضي، وقال بصوت هادئ لكنه حازم:
“بعد سماع المرافعات والشهادات، قررت المحكمة ما يلي:
أولًا: الخوف ليس مذنبًا إذا كان بحجمه الطبيعي، لكنه يصبح خطرًا إذا تضخم وتجاوز حدوده.
ثانيًا: يجب على البشر تعلم التوازن بين الخوف والأمل، وبين الطموح والوعي.
ثالثًا: المحكمة تُلزم الجميع بأن يتعاونوا كفريقٍ واحد، فالإنسان لا يمكنه الاستغناء عن أي شعور، مهما بدا ثقيلًا.”
(دق القاضي بمطرقته للمرة الأخيرة، لفض الجلسة)
غادرت المشاعر القاعة، وقد تعلمت أن الخلاف بينها ليس سوى فرصة لفهم دور كل منها، أما البشر، فقد أصبح عليهم أن يتعلموا العزف على أوتار مشاعرهم بحكمة؛ ليخلقوا سيمفونية حياتهم الخاصة.
المزيد من الأخبار
سموم سوء الظن
أميرة الماضي الأسود
أذْكُر أنني نمت بعد انهيارٍ مُفزع فاستيقظت شخصًا لا أعرفه