10 فبراير، 2025

رِحلة في عقل الكاتب ” جهاد أنس حاتم” يَبـوح بِما وراء كواليس رحلته الأدبية لأول مرة داخل مجلة إيفرست

Img 20250123 Wa0075

 

 

الصحفية: خديجة محمود عوض. 

 

بين حروفه تختبئ أسرار، وفي كلماته تنبض حكايات لم تُروَ بعد.. في حـوار استثنائي مع الصحفية خديجة عوض، يكشف الكاتب ” جهاد أنس حاتم” عن ملامح رحلته الأدبية، التي تجاوزت حدود الورق، وجابت عوالم الفكر والإبداع.. هُنا، حيث تتقاطع العواطف مع الأفكار، وحيثُ يبوح القلم بما خُفيّ خلف الكواليس، لنُبحر معًا في رحلة تكشف عن جوهر الأدب العربي..

___

 

قبل أن نبدأ حوارنا، هل لك أن تخبرنا بنبذة تعريفية عنك؟

-اسمي جهاد أنس حاتم، طالب هندسة مدنية وشغوف بالكلمة المكتوبة. أعمل حاليًا على تأليف كتابي الأول بعنوان الفصول الأربعة وأنتِ، وهو محاولة لرصد مشاعر وتجارب حياتية بعمق وصدق. أكتب النصوص القصيرة، حيث أجد في كل كلمة فرصة لتوضيح وتسليط الضوء على الأمور التي ترافقنا في رحلتنا اليومية، من مشاعر الحب والأمل إلى التحديات واللحظات الصعبة التي تشكل شخصياتنا.

 

هدفي من الكتابة أن أخلق مساحة للتأمل، حيث يجد القارئ نفسه بين السطور، ويتفاعل مع الأفكار والمشاعر التي تحملها كلماتي. أؤمن أن الكتابة ليست مجرد فن، بل وسيلة للتواصل مع الذات ومع الآخرين، لنكشف عن جوانبنا الخفية ونعيد اكتشاف ما يربطنا بالحياة والإنسانية.

 

أخبرني في البداية، كيف تصف علاقتك بالكلمات؟ هل ترى الكتابة مجرد وسيلة للتعبير أم أنها جزء من كينونتك الداخلية؟

-الكتابة ليست مجرد كلمات أسكبها على الورق، بل هي انعكاس لروحي وما يختبئ في داخلي. أصبحت جزءًا مني، بل أكثر من ذلك، صارت هويتي التي أعبّر بها عن نفسي وأفهم بها العالم من حولي. في كل حرف أكتبه، أجد نفسي أتحرر من قيود الواقع، وأفتح أبوابًا لعوالم لا تراها العيون. الكتابة ليست وسيلة للتعبير فحسب، بل هي لغة روحي وصوت أعماقي. أهوى الكتابة لأنها تمنحني فرصة لقول ما لا أستطيع البوح به، ولأنها تجعلني أشعر بأنني موجود، أنني قادر على تحويل الألم إلى جمال، والصمت إلى حكاية. الكتابة هي أنا، وأنا هي الكتابة.

 

من أين تبدأ القصة بالنسبة لك؟ هل هي فكرة أولية، أم موقف حياتي، أم رحلة شخصية تقودك إلى الكتابة؟

-القصة بالنسبة لي تبدأ من عمق التجارب التي عشتها. بعد أن واجهت فشلي في دراستي وانكساري في الحب، وجدت نفسي أبحث عن ملاذ يمنحني القدرة على البوح دون قيود. كانت الكتابة ذلك الحضن الذي لجأت إليه، أفرغت فيه آلامي وتحولت مشاعري إلى كلمات تحكي ما لم أستطع أن أشارك به أحدًا. كل موقف عشته، وكل جرح حملته، أصبح بذرة لقصة أرويها. الكتابة لم تكن فقط وسيلة للتعبير، بل صارت طريقتي لفهم ما حدث، وطريقي لإعادة بناء نفسي من جديد.

 

هل تعتقد أن الكتابة يمكن أن تكون وسيلة للتغيير المجتمعي؟ وكيف تسعى لترك بصمة تؤثر على القارئ؟

-أؤمن بأن الكتابة أداة قادرة على تغيير المجتمعات، فهي تسهم في بناء مجتمع مثقف يحمل في داخله وعيًا وقيمًا تنعكس على أفراده. أرى أن الكلمة تحمل قوة لا تقل عن الأفعال، فهي قادرة على تحريك العقول وتغيير القلوب. في كتاباتي، أركز على مواضيع تعالج القضايا الإنسانية والاجتماعية، وأحاول أن أزرع الأمل وأشعل التفكير. لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن، تصبح الكتابة بالنسبة لي أكثر من مجرد كلمات. في سبيله، أقدم روحي قبل قلمي، وأحول كلماتي إلى نداء يبعث الحياة في حب الأرض والانتماء إليها. الكتابة هنا ليست تعبيرًا فقط، بل تضحية وواجب.

 

ما هو التحدي الأكبر الذي واجهته في مسيرتك الأدبية، وكيف أثّر ذلك على كتاباتك؟

-التحدي الأكبر الذي واجهته في مسيرتي الأدبية كان فقدان الشغف، فقدان الثقة في الآخرين، وصعوبة التعبير عن ذاتي، إلى جانب تجارب حياتية صعبة تركت بصمتها على روحي. كنت أشعر أحيانًا أن الكلمات تخونني، وأنني أعيش صراعًا داخليًا مع ما أريد قوله وما أستطيع التعبير عنه. لكنني واجهت هذا التحدي بتعلّم دروس جديدة من الحياة، مثل الاعتماد على نفسي، وعدم الاستناد إلى الآخرين للبحث عن الدعم. هذه التجارب صقلتني وأثرت على كتاباتي، حيث أصبحت أكثر صدقًا وعمقًا، تحمل معاني نابعة من القلب وتجسد نضجًا فكريًا وعاطفيًا لم يكن موجودًا من قبل.

 

في عالم مليء بالتحولات السريعة، هل ترى أن الأدب يظل قادرًا على إحداث تأثير حقيقي على القراء؟

-في عالم مليء بالتحولات السريعة والتغيرات المتلاحقة، أرى أن الأدب لا يزال قادرًا على إحداث تأثير حقيقي على القراء. فرغم تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال، يبقى الأدب هو الوسيلة التي تخاطب الروح وتصل إلى أعماق الإنسان. الكلمة الصادقة والحكاية المؤثرة تملك قوة لا تضاهى في تشكيل الأفكار وإلهام القلوب. الأدب يتجاوز حدود الزمان والمكان، فهو يحمل القيم الإنسانية وينقل التجارب والمشاعر التي توحد البشر. لذلك، أؤمن بأن الأدب سيظل مصدر إلهام وتغيير، يفتح أعين القراء على العالم من زوايا مختلفة ويحثهم على التفكير والتغيير.

 

كيف ترى الفجوة بين الأجيال الأدبية؟ وهل تعتقد أن هناك تغيرًا واضحًا في أسلوب الكتابة بين الأجيال الحالية والسابقة؟

-أرى أن هناك فرقًا كبيرًا بين الأجيال الأدبية، يظهر بشكل واضح في الأساليب التي يتبعها الكتاب اليوم مقارنة بالكتاب القدامى. الكتاب الحاليون يعتمدون على أساليب حديثة تختلف تمامًا عن تلك التي ميزت الأدب القديم، وذلك بسبب تعاملهم مع قضايا معاصرة لم تكن موجودة أو ذات أهمية في زمن الكتاب السابقين

 

هل تجد أن النقد الأدبي يمكن أن يكون قاسيًا أو مبالغًا فيه في بعض الأحيان؟ وكيف تتعامل معه ككاتب؟

-النقد الأدبي يؤثر بشكل كبير على شخصية الكاتب، خاصة إذا كان مبالغًا فيه أو غير بناء. يمكن للنقد أن يكون سلاحًا ذو حدين: إما أن يستغله الكاتب كفرصة لتطوير نفسه، أو أن يؤثر على عاطفيته بشكل سلبي، مما يدفعه للتوقف عن الكتابة تمامًا. في تجربتي مع النقد، تعرضت لبعض الانتقادات في بدايتي، لكنها لم تكسرني، بل دفعتني للتأمل والكشف عن النقاط العمياء في كتاباتي. كنت أبحث عن هذه العيوب لتحسين أسلوبي وتطوير مهاراتي، وبدلًا من السماح للنقد بإيقافي، استخدمته كأداة للنمو. مع ذلك، أرى أن النقد المفرط وغير المتزن قد يضر أكثر مما ينفع، لذا يجب أن يُقدّم بطريقة تُشجع الكاتب على الاستمرار وتحقيق الأفضل.

 

أين ترى نفسك ككاتب بعد خمس أو عشر سنوات؟ وما هي المشاريع التي تأمل تحقيقها خلال تلك الفترة؟

-أطمح خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة أن أكون في مقدمة الكتاب، وأن تصبح كتاباتي معروفة على مستوى العالم، تحمل رسالة قوية وتأثيرًا عميقًا على القراء. أحلامي تتجاوز مجرد الكتابة؛ أرغب في أن أساهم في بناء جيل مثقف وواعٍ. من أبرز مشاريعي المستقبلية فتح دورات تعليمية تهدف إلى تعزيز الثقافة والحفاظ على لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم. أسعى إلى نشر الوعي بأهمية اللغة والتراث، وإلهام الآخرين للاعتزاز بها، لتظل مصدرًا للهوية والانتماء. أؤمن أن الأدب يمكن أن يكون جسرًا يوحد الأجيال ويعيد إحياء القيم والمعاني التي نحتاجها في عالمنا اليوم.

 

ما هي أهَم المُبادرات التي نفعتك في تطوير موهبتك؟ وهل لـ أترجة الأدب تأثير خاص؟.

أهم المبادرات التي كان لها تأثير كبير في تطوير موهبتي هي أترجة الأدب. لقد كانت تجربة فريدة أثرت في شخصيتي ككاتب ومنحتني الكثير من الدروس القيّمة. استفدت من خلال معاشرتي للقراء والكتّاب الآخرين في هذه المبادرة، حيث تعلّمت منهم ومن خبراتهم وأفكارهم، وشعرت بدفء الإخاء الذي يجمعنا جميعًا تحت مظلة الأدب.

 

أترجة الأدب لم تكن مجرد مبادرة، بل كانت مساحة ملهمة أتاحت لي الفرصة لفهم أعمق لمعاني الكتابة وكيف يمكن أن تكون وسيلة للتعبير والتواصل مع الآخرين. هذا التأثير الخاص عزّز شغفي بالكلمة وأعطاني دافعًا أكبر للاستمرار في تطوير أسلوبي الأدبي وتحقيق طموحاتي.

 

ما النصيحة التي تقدمها للكتّاب الشباب الذين يطمحون لإحداث تأثير حقيقي في مجال الأدب؟

-إلى الكتاب الشباب الذين يطمحون لإحداث تأثير حقيقي في مجال الأدب، نصيحتي الأولى لكم هي أن تؤمنوا بأنفسكم وبما تكتبونه. الشغف هو الأساس، ولكن الاستمرارية والتطوير هما ما يصنعان الفرق. لا تتوقفوا عن التعلم، واقرؤوا كل ما تقع عليه أعينكم، فالقارئ الجيد هو كاتب أفضل. اختاروا مواضيعكم بعناية، واجعلوا لكتاباتكم رسالة وقيمة تضيف شيئًا للقارئ والمجتمع.

 

تذكروا أن النجاح في الأدب ليس طريقًا سريعًا، بل رحلة تحتاج إلى صبر وإصرار، فلا تدعوا الإحباط يوقفكم إذا لم تروا النتائج سريعًا. والأهم من ذلك، اعتزوا بهويتكم وثقافتكم، واكتبوا عن تجاربكم وقضاياكم بصدق، فالتأثير الحقيقي يأتي من النصوص التي تعبر عن روح الكاتب بوضوح وعمق. وأخيرًا، لا تخافوا من النقد، بل اجعلوه أداة لتطوير أنفسكم، واستمروا حتى تصبحوا صوتًا يُسمع وأثرًا يُخلّد.

عن المؤلف