كتبت: خولة الأسدي
“يُقال: إنَّ لكلِّ إنسانٍ أربعين شبيهًا في هذا العالم، ولكن ماذا لو كانت تلك الأشباهُ تعكسُ أجزاءً من أرواحنا المتفرِّقةِ؟”
لطالما شعرتُ أنَّني أعيشُ حياةً لا تُشبهني، في عالمٍ لا أنتمي إليه. وكان هذا الشعورُ يتجدَّدُ ويزدادُ حِدَّةً كلَّما قابلتُ أناسًا لا يُشبهونني، يُعمِّقون شعورَ الغربةِ الذي لم يُفارقني يومًا.
وكنتُ كلَّما رأيتُ انسجامَ الآخرينَ مع بعضِهم، أو سمعتُ شخصًا يصفُ آخرَ بأنَّه توأمُ روحِه، أشعرُ بوحدةٍ موجعةٍ وأنا أتساءلُ في سرِّي: وماذا عنِّي؟ هل سأجدُ هذا الشبيهَ يومًا؟ أم أنَّ كلَّ ما سأحصلُ عليه مجرَّدُ نسخٍ مزيفةٍ يُخدعني بريقُها الكاذبُ الذي يتلاشى سحرُه ما إنْ أقترب، لأتقوقعَ على ذاتي بصدمةٍ خائبةٍ في كلِّ مرةٍ؟
وانتظرتُ طويلًا، وتوهَّمتُ في كلِّ شخصٍ اقتربَ من دائرتي الضيقةِ أنَّه هو الشبيهُ الذي لا يُمثِّلُ مجرَّدَ انعكاسٍ لروحي، بل بابًا لجزءٍ آخرَ من حقيقتِها المُبعثرةِ على أشباهِها الضائعين، ولكنِّي لم أجدْ سوى الخيبةِ، حتَّى كففتُ عن الانتظارِ.
وفي ذات مساءٍ ديسمبريٍّ، كانت رغبتِي في الكتابةِ تُضارعُ برودةَ الطقسِ، وقلمي يبكي على جسدِ شغفي النائمِ نومًا يُشبهُ الموتَ، لكأنَّه بياضُ الثلجِ ينتظرُ قبلةَ الحبِّ التي ستُعيدُ له الحياةَ لينثرَها في كلِّ ما حولَه. كتبتُ نصًّا بائسًا يشرحُ معاناتي، ولم أكن أعلمُ أنَّه سيكونُ البوابةَ السحريةَ التي ستعبرُ منها توأمُ روحي.
وصلتني أحرفُها عاصفةً بالعفويةِ، فشلَّني الانبهارُ وأنا أحاولُ تكذيبَ حدسي بتردُّدِ مَن فقدَ ثقتَه بجميعِ سكانِ الكوكبِ، ولكن كلماتِها، المشعَّةَ لطفًا طالما منحتهُ ولم أجدْ مثلَه لدى غيرها، سحبتني بسلاسةٍ إلى عمقِ حديثٍ امتدَّ واصلًا روحَيْنا أكثرَ فأكثرَ.
فكانت كلُّ كلمةٍ تقولُها تُشعلُ في داخلي نارًا من الحنينِ لشيءٍ لا أستطيعُ وصفَه، وكأنَّ كلماتِها صدىً لأفكاري. كلَّما استرسلتْ فيها، شعرتُ كأنَّني أكتشفُ جزءًا مفقودًا مني، وأعيشُ حياةً أخرى من خلالها!
وكلَّما تحدَّثتْ عن نفسِها، شعرتُ كأنَّها انعكاسٌ لروحي التي سُرِقَ مني تميُّزُها، كأنَّها تحملُ إليَّ ما فقدتُه في رحلةِ الحياةِ، هامسةً بلطفٍ دون أن تدري حتَّى: “عودي لنفسِك! كوني أنتِ، ولا تسمحي لهذا العالمِ أن يسرقَكِ منكِ!”
وحينَ استوعبتُ الرسالةَ المُستترةَ، لم أعُدْ أرى لقاءَنا صدفةً، ولا تشابهَنا كذلك. فلربما تكونُ أرواحُنا مُوزَّعةً بين أربعين شبيهًا، لكنها تنتظرُ اللحظةَ المناسبةَ لتكتملَ.
المزيد من الأخبار
حين ينهض الأمل
متاهتي
مشاعر متضاربة