حكايات غزة؛ بطل الثوب الأبيض، حسام أبو صفية

Img 20241230 Wa0141

 

كتبت: هاجر حسن 

 

 

في عالمٍ انقلب على قسم أبقراط، عالمٍ نقض عهوده، وأباح سفك الأرواح، كُسر ميثاق الأطباء، وأُهدر حق الإنسان في الحياة، حتى صار بعض ممن ارتدى الأبيض جزارين بدلًا من أن يكونوا منقذي أرواح. 

 

لا يزال هناك، تحت سماء غزة، أطباء قلوبهم تنبض بالإنسانية، يسيرون على خطى القسم، يكرسون حياتهم لإنقاذ الآخرين، غير آبهين بالخوف أو الموت. 

 

أحدهم في مستشفى كمال عدوان، حيث يقف الدكتور حسام أبو صفية، المدير والطبيب، “بطل الثوب الأبيض”، كالأسد في عرينه يزأر في وجه العدو، كالنخلة الصامدة في الصحراء. 450 يومًا يقف على رأس عمله شامخًا، بلا كلل ولا شكوى، يعالج ضحايا غزة ويواجه الموت في كل لحظة، دون أن ييأس أو يحيد عن دربه.

 

يذهب الليل ويأتي الصباح بلا ضوء شمس، في كل دقيقة، يتوافد إليه الموت على هيئة أجساد ممزقة، تصارع للبقاء. يركض بين المرضى، يحاول إنقاذ هذا، ويضمد جراح ذاك، كأن القلوب تستمد نبضها من أنامله. لا يرى القسم الذي أقسمه بأنه مجرد كلمات، بل سيفًا معقودًا على رقبته، يحمله بشجاعة لا تعرف الانهزام.

 

ساوموه على الرحيل، رفض. أرادوا كسره، فوجهوا سهامهم المسمومة إلى أغلى ما يملك: ابنه. دفنه بيديه تحت الثري، وجفف دموعه، وعاد ليكمل رسالته وكأن شيئًا لم يكن.

 

ولأن الظلام يمقت النور، ولأن الجبان يهاب الشجاع، ولأن الظالم يخشى صاحب الحق، اجتاح الاحتلال المستشفى في لحظة جنونية، كالثور الهائج المتعطش للدماء، حتى يأسروا الطبيب الشجاع. 

 

وقف الطبيب أمام دبابتهم، كالصخر الذي تتحطم عليه أمواج العدوان، كالأبطال الخارقين الذين سمعنا عنهم في القصص والروايات. ثابتًا أمام الزوابع، سلم نفسه لهم برأس عالية لا تنحي للجبناء. مشهد لن يُنسى أو يُمحى من الذاكرة. صورة تنبض بالحروف تثبت للعالم أن صاحب الحق لا يهاب رصاص المحتل.  

 

بهذا، أثبت الطبيب حسام أنه رغم انقلاب العالم على بنود قسم الأطباء، يظل هناك أطباء أوفياء كما في غزة وغيرها من بلدان، كالدكتور حسام أبو صفية، يجعلون بصيص الخير ينبض في هذا الكوكب المتألم. 

 

ومع تكاثف الدعوات لفك أسر الطبيب “بطل الثوب الأبيض”. تبقى حكايات غزة مليئة بقصص الأبطال، قصص ترويها الأيام، وأخرى تختبئ بين الصخور وسط الرماد.

عن المؤلف