كتبت: قمر الخطيب
لم تكن المرأة يوماً إلا مثالاً للقوة والنجاح والتحدي؛ وأيضاً دعامةً أساسية للنهوض بالمجتمع نحو طريق الازدهار.
إن انتبهت على تعليمها أنشأت جيلاً كاملاً من المثقفين؛ وها هي ضيفتنا اليوم خيرُ مثال على من أُنشئ بين كنفي عائلة تهتم بالثقافة للطفل كما تهتم بصحته وأشياءه الضرورية، وما زرعوه بالأمس من بذور طيبة حصدوه اليوم على هيئة طبيبة وكاتبة وشاعرة وبكل فخرٍ واعتزاز.
_ هلا عرفتنا من تكون الدكتورة سارة؟
سارة هي طبيبة و كاتبة يمنية شابة و قبل كل شيء إنسانة محبة للحياة و مليئة بالشغف و الأحلام.
_ كيف كانت نشأتك الأدبية؟ ومتى بدأت؟
منذ أن كنت طفلة, اهتم والداي بي و بأخواتي علميًا و أدبيًا و أخلاقيًا، كان والدي يشتري لنا المجلات و الكتب الثقافية و يقرأها لنا هو حينًا و والدتي حينًا، والداي قراء رائعين و كان لدينا مكتبة كبيرة فيها كتب كثيرة في منزلنا في اليمن مما ساعد كثيرًا على تطورنا، و كنت في المدرسة رئيس تحرير المجلة الحائطية للمرحلة الثانوية مما ساعد على تنمية موهبتي بشكل أكبر.
_ مابين الطب والأدب عوالم قد يراها البعض مختلفة؛ ولكن برأيك كطبيبة ما علاقة الطب بالأدب؟
بالنسبة لكثيرين قد أجابوا على هذا السؤال و كان ردهم بأنّ الطب يعالج الجسد بينما الأدب عقار للروح و أنا أتفق معهم في هذا خصوصًا و أن مهنة الطب تتطلب بالإضافة للمجهود العقلي مجهودًا عصبيًا وعاطفيًا لمواكبة ظروف المهنة السامية ومعايشة وضع الإنسان في أصعب حالاته ألا و هي المرض؛ و أضيف لما قد قيل, بأنّ القدرة على الكتابة الأدبية سواء أكان الكاتب طبيبًا أم لا هي منحة أولًا و من ثم يقوم الشخص بتطويرها مع الوقت، أنا حتى و إن كنت درست غير الطب فكنت أيضًا سأكتب.
_ من هي اليد التي ساندت الدكتورة سارة للمضي قدماً في طريق النجاح؟ وهل واجهتِ صعوبات؛ وكيف استطعت تخطيها؟
طريق الحياة عمومًا ليس دائمًا مفروشا بالورود و بالتالي هناك أشخاص لهم الفضل بعد رب العالمين في مساعدتنا في درب الحياة.
النجاح يحتاج للصبر و المثابرة و عدم الخوف من المضي قُدمًا, هذا ما علمني إياه والداي؛ أبي رحمه الله استثمر ماله و وقته و أغدقنا – أنا و أخواتي- بالمحبة و الحنان ليكون لنا النصيب الأكبر و الأجمل من الحياة و العلم و المعرفة و بفضل الله ثم جهود والدتي المُحبة وعائلتي الحبيبة و أساتذتي و أصدقائي الداعمين واصلنا المسير بعد وفاة والدي و بالرغم من صعوبة الطريق و ألم فقد والدي و من ثم بداية الحرب في اليمن, وفقنا الله الحمدلله رب العالمين.
_في عام ٢٠١٤ تم نشر مجموعتك الأدبية الأولى بعنوان “إكليل تناثرت بتلاته” هلّا حدثتنا عنه وكم من الوقت استغرقتِ في كتابته؟
إكليل تناثرت بَتَلاتُه هو أول تجربة أدبية لي، في بداية عام 2014م, انتهيت من كتابة و تنسيق مجموعة من خواطري بعد حوالي ست سنوات خلال دراستي في كلية الطب في مدينتي تعز، إيماني بموهبتي و دعم والدتي و أخواتي تم نشر الطبعة الأولى للإكليل في مركز عبادي للدراسات و النشر في صنعاء.
و الجدير بالذكر؛ أن المركز هو أقدم مكتبة و دار نشر في الجزيرة العربية.
_ بناءاً على مسمى مجموعتك فكأن الأزهار تتناثر هنا وهناك من ذاك الاكليل؛ من أين تستمدين مخزونك العاطفي لكتابة القصائد؟
ربما في ذاك الوقت كان الإكليل قد أزهر و بدا لي أن قد حان الوقت لمشاركة بتلاته و نثرها على أرواح من اختار أن يقرأها.
المرأة بشكل عام هي عبارة عن مخزون عاطفي و أضِف إلى ذلك أنني ابنة لرجل و امرأة لهم من العاطفة الجياشة نصيب من طراز خاص و في طبيعتي شيء من الحساسية تجاه الأشياء و الأشخاص مما يجعلني أتأثر فأكتب ذاك التأثر على هيئة كلمات تتخذ منحى الشعر تارة و أحيانًا شكلا من أشكال النثر.
_الكاتب قارئ أولاً؛ ونحن أمة اقرأ؛ لمن تقرأين؟ وما هي الأنواع التي تحبذينها للقراءة؟
أحب أن أقرأ لعدد من الكّتاب, منذ نعومة أظافري أقرأ في البيت و مكتبة المدرسة باللغتين العربية و الانجليزية. أقرأ الكتب التي لها علاقة بالطب و العلم و الكتب الأدبية و الثقافية في مجال النثر بشتى أنواعهم و الشعر, و كتب الفلسفة و التنمية البشرية و الذاتية.
أحب كثيرًا د. عبد العزيز المقالح, مي زيادة, جبران خليل جبران, الرافعي , المنفلوطي, و من المعاصرين نبال قندس, رفاه السيف, أدهم شرقاوي و الكثير ممن يكتبون نصوصًا رائعة تلامس عقلي و روحي قد لا يتسع الوقت و المساحة لذكرهم جميعًا.
_ما هي الطقوس التي يحتاجها الكاتب لكي يشرع بسفينة الأبداع؛ وهل تشعرين أن الكتابة بوح؛ أم خروج من الواقع؛ أم هي هروب إلى الخيال؟ وهل القارئ الآن بحاجة للواقع أم الخيال برأيك؟
سأتحدث عن طقوسي؛ أحب أن أكتب في غرفتي عمومًا في الصباح و أحيانًا في المساء.
عادة ما تكون مزهرية فيها بعضًا من الأزهار بجانبي و فنجانًا من القِشر (نوع من القهوة اليمنية) إذا كنت أكتب نهارًا.
الكتابة في الأساس هي بوح و هي أرواحنا تسكب على ورق؛ الكتابة قد تكون عن تجربة واقعية و قد تكون محض خيال أو مزيجًا منهما و كلاهما يحتاجه الأدب و التنوع الأدبي يثري القارئ.
_صدرت مجموعتك الأدبية الثانية “بوتقة”؛ وهي مجموعة قصائد نثرية؛ ما السر الذي يخفيه هذا الاسم، وما الذي تخبئه السطور من أحاسيس بداخل (بوتقة).؟
بوتقة هو الاسم الذي اخترته لمجموعتي الأدبية الثانية؛ و الاسم لا يحوي سرًا و لكنه يصف فلسفة من نوع ما. البوتقة هي وعاء تصهر فيه المعادن و أنا استخدمت اللفظ مجازًا لتشبيه أنفسنا و حياتنا كوعاء يحوي كافة المشاعر الإنسانية التي نعيشها في المواقف اليومية العادية و الاستثنائية فتنصهر تلك الأحاسيس لتبدو مزيجًا إنسانيًا صافيًا و صادقًا.
و قد مزجت معنى عنوان كتابي و كلماته في لوحتي على الغلاف بعنوان دهاليز و اللوحة عبارة عن عدة ألوان متمازجة ببعضها البعض كالمعادن المصهورة في البوتقة و كمزيج المشاعر الإنسانية مثل الفرح و الفقد و الحنين و غيرها.
_ككاتبة كيف ترين واقع الأدب حديثاً في الوطن العربي،وهل ترين أن الكاتب بات رهينة السوشيل ميديا والشهرة وبات بعيداً جداً عن تطلعات الكُتاب قديماً الذين كانوا يتطلعون لنشر محتوى أدبي يليق بمفكرة القارئ فقط بعيداً عن الماديات والشهرة؟ وهل انتشار ظاهرة الكتب الإلكترونية بات يهدد وجود الكتب الورقية لسهولة اقتناءها؟
هناك الكثير من الأدباء الرائعين المعاصرين ذكرت بعضا من أسمائهم سابقًا.
لكل عصر أدواته التي يستخدمها الكاتب لنشر أحرفه و مواقع التواصل الإجتماعي أو السوشيال ميديا هي من ضمن أدوات عصرنا الحديث؛ أي أداة عمومًا هي كما يستخدمها الإنسان سواء إيجابًا أو سلبًا.
أنا من عشاق الكتاب الورقي لأنني أشعر بأن هناك صلة تتكون بين القارئ و الكتاب من الناحية الحسية. أما بالنسبة للكتب الإلكترونية, فأنا ممن يقرؤونها و كتابي بوتقة متواجد حاليًا بالنسخة الإلكترونية لأن هذا يعدّ من ضمن أدوات انتشار الكاتب في هذا العصر و لا ضير في ذلك، البعض يفضلون الكتب الإلكترونية لأنها أوفر ماديًا و لا تأخذ حيزًا مثل الكتاب الورقي.
_ما الذي يحتاجه الكاتب الذي ببداية طريقه في الإبداع؛ هلّا أعطيتنا بعضاً من النصائح؟
هي ليست نصائحًا بقدر ما هي مشاركة لتجربتي الخاصة. الكتابة بداية, كما ذكرت اَنفًا, موهبة من رب العالمين. ما إن اكتشف الكاتب أو من حوله تلك الموهبة, إذا أراد تطويرها فستمنحه منحة عظيمة للتعبير عن الذات و عمّا يحيطه؛ و لكل واحد منا عبقه و لونه كشخص و هذه الميزة تنطبق على طريقته في صياغة الأحرف و الكلمات إذا كان كاتبًا، القراءة تعطي الكاتب نظرة أوسع و أعمق للحياة من منظور كُتّاب اَخرين و هذا ينميه فكريًا و عاطفيًا.
التأمل في الحياة يجعل الكاتب يتنبه للتفاصيل من حوله و يعطيها شكلًا و مذاقًا خاصًا. الشيء الاَخر الذي قد يساعد في تطوير الحس الإبداعي عند الكاتب هو حضور الندوات و ورش العمل الخاصة باللغة و المناقشات الأدبية.
_كلمة أخيرة لكِ لقراء مجلتنا؟
مَن كان له حلمًا فليسعَ له و إن بدا الطريق ملتويًا و طويلًارفنحن لا نملك إلا حياة واحدة.
_كيف كان حوارنا معكِ دكتورة سارة؟
كان جميلًا. أحببت الأسئلة كثيرًا, فهي عميقة تم طرحها بأسلوب سلس و رشيق و هذا يدل على أنكِ مُحاورة ذكية قمر؛ أهنئكِ على ذلك شكرا لكِ و لمجلة ايفرست.
_ وأنا بالنيابة عن كادر المجلة جميعها أشكرك على هذا الحوار فقد استمتعت به جداً، وأتمنى لكِ دوام التفوق والنجاح.
المزيد من الأخبار
الكاتبة “هبة إبراهيم” في ضيافة مجلة إيفرست الأدبيَّة
حوار مع الكاتبة: منة الله علي ( إلزابيل) في مجلة إيفرست
السيد الجمال في حوار خاص مع مجلة إيفرست الأدبية