لحظة إدراك

Img 20241203 Wa0056

 

 

قلم/ سارة صلاح”مقال”

 

دوامة من اللافكر، فراغ مع عدم شعور بالفراغ، بداخل الإنسان بيت كبير فارغ، فارغ جدًا مع عقل نائم، العقل متغافل تمامًا نتيجة لتغافل القلب، وهكذا الشهر تلو الشهر، وبداخل كينونته يدرك جيدًا أن هذا ليس جيدًا لأجله، أن دوامة الفرح وتكوين الصداقات مع عدم وجود سلم وبناء يعتمد عليه؛ فإنه سيقع في دوامة الحزن التي لا نهاية لها، يدرك جيدا أنه مهما هرب من نفسه فإنه لن يجد إلا المواجهة الحقيقية، مواجهة الخزي الناتج عن النوم، الخزي الناتج عن عدم التخطيط لدنياه وآخرته، سيجد في النهاية أوراقه فارغة دون تحقيق أي شيء، وحينما يشعر بما ظلم به نفسه فإنه يتخذ طرقًا دفاعية بالهروب، الهروب الذي يعقبه الكثير من الأخطاء والعقبات، ومن ثم يكون للهروب نهاية، نهاية الوقوف أمام الباب الذي لا مهرب منه وحينها تأتيك أيدي من رفاقك أو من أهلك، أيدي الدعم التي تتلاطف معك، تشدك بشدة، مواجهة الهروب يعتريه شعور بالوجع الشديد، أنت تواجه طرقًا متراكمة لابد عليك من تأديتها، تؤديها وإن كانت طاقتك مسلوبة منك، كمن تكاسل عن امتحان فلم يذاكر له وظل هاربًا حتى أتته للحظة الحاسمة التي لا بد فيها من أن يذاكر حتى ينجح، فيظل ساهرًا بين صفحات وكتب مزدحمة من المواد المتراكمة، لا يدري عقله ما يدخل إليه إلا أنه يحاول المواجهة بقوة، ويتخطى لحظات الامتحانات وتمر بعون الله بسلامة، يدرك حينها أنه لو كان واجه مخاوفه؛ ما آل به الحال إلى هذه الطرق الموجعة، أن المواجهة وعدم الخوف تحمي الإنسان من طرق كثيرة، تحميه من شرور نفسه.

 

إدراك أن كل طريق جديد هو بمنزلة تحدٍ جديد، وأن بداية كل طريق يعتريه بعض المخاوف، كالخوف من الفشل، الخوف من تضييع الجهد والمال على شيء لن ينتفع به، الخوف من خزي فشل الطريق، فيتخذ العقل طريقًا دفاعيًا ويحمي نفسه من هذا الشعور بأن يهرب، إلا أن الإنسان الواعي يدرك جيدًا مدى مسؤولية الطرق الجديدة، يعلم جيدًا أن كل طريق جديد هو بمنزلة حياة جديدة، وأن الهروب يضيع عليه لذة الوصول لطعم هذا الباب الجديد، فيتوكل على الله الذي هو حسبه، وكلما استمر في طريقه الجديد يدرك جيدًا كم كان متغافلًا حينما فكر مجرد فكرة في الرجوع عن الطريق.

 

 

إدراك أن العيش هكذا مع لسان ثرثار بعيدًا عن أهداف الدنيا المقرونة بالآخرة لهو نقمة على صاحبها، لسان يقول سأفعل وسأفعل وبداخله يتراجع، يتراجع عن الخير الذي قد قرر فعله، يخبر نفسه أنه بخير هكذا رغم أنه بداخله يتمنى تحقيق هذا الهدف، يتمنى الوجود داخل هذه البيئة الربانية المنتجة الصالحة، يتمنى أن يكون إنسانًا محققًا لهدف واحد ويستمر فيه، أن يدرك جيدًا أنه قادر على الاستمرارية إلا أن هذا التخاذل الذي يجده من نفسه يخبره دومًا أن غير قادر، غير قادر على الاستمرار رغم وجود العقلية المدركة القادرة، فيدرك جيدًا أن الطريق ليس للأذكياء وإنما للقادرين على الاستمرارية وتقديم شيء. ربما كانت الوسائل العلمية المشتتة هي ما جعلت الوصول للهدف أمر غير سهل، فيظل الإنسان يتنقل بين المعلومة تلو الأخرى ليستنبط معلومة جديدة أو طريقًا للوصول لهدفه.

عن المؤلف