الهروب في الظلام

Img 20241122 Wa0052

 

كتب/ ابوسفيان محمد الكردفاني 

كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، والبيت يغرق في هدوء ثقيل يُقطّعه صوت عقارب الساعة المملة. كنت مستلقية على سريري، مستغرقة في نوم عميق، عندما شعرت بيد صغيرة تهزني برفق. فتحت عيني ببطء لأجد ابني ذو الثمانية أعوام ينظر إلي بعينين واسعتين متوترتين.

 

اقترب مني، وانحنى حتى لامس شفتيه أذني وهمس بصوت مرتعش:

“علينا الهرب الآن… لا أريده أن يسمعنا.”

 

شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. تمتمت بصوت مبحوح:

“من هو؟”

 

أمسك بيدي بقوة وقال:

“لا وقت للأسئلة، تعالي!”

 

لم أتمكن من التفكير بوضوح. كان صوته مليئاً بالخوف، وهو ما جعلني أستجيب له دون نقاش. قمت من السرير، وأنا أرتدي معطفي بسرعة بينما ابني يمسك بيدي ويجرني نحو الباب. كانت الظلمة تغطي كل شيء، والإضاءة الخافتة القادمة من القمر بالكاد ترسم معالم المنزل.

 

عندما اقتربنا من الممر المؤدي إلى الباب الأمامي، سمعت صوت خشخشة خلفنا. توقف ابني فجأة، ورفع إصبعه على شفتيه ليشير لي بالصمت. كان الصوت يقترب، خطوات ثقيلة تملأ المكان بصدى مخيف.

 

همس مجدداً:

“إنه هنا…”

 

شعرت برعشة في أطرافي، وقلبي ينبض بسرعة جنونية. التفت ببطء، وعيني تحاولان اختراق الظلام. في تلك اللحظة، شعرت بنسمة باردة تمر بجانبي، وكأن شيئاً ما يتنفس خلفي.

 

فجأة، انطفأت كل الأصوات. لم يكن هناك شيء سوى صمت مرعب. نظرت إلى ابني لأجده يحدق في الفراغ، عيناه زائغتان وشفتيه ترتجفان. حاولت أن أقول شيئاً، لكن صوتي خانني.

 

ثم، وبدون سابق إنذار، سمعنا صوتاً عميقاً ومخيفاً ينبعث من الظلام:

“إلى أين تظنان أنكما ذاهبان؟”

 

صرخت، وأمسكت بابني بقوة وأنا أركض نحو الباب الأمامي. ولكن عندما حاولت فتحه، كان مغلقاً بقوة كأن شيئاً غير مرئي يمنعني من الخروج.

 

التفتت خلفي لأجد الظلام يتكاثف، يتحول إلى كيان ضخم بملامح غامضة وعينين متوهجتين. كان يقترب منا ببطء، صوته ينفذ إلى أعماق روحي:

“لا أحد يهرب مني…”

 

في تلك اللحظة، شعرت بشيء يلمس كتفي. كان بارداً ومخيفاً. استجمعت كل شجاعتي، وأمسكت ابني بقوة، وهمست له:

“اركض!”

 

لكن قبل أن نتحرك، تحول كل شيء إلى ظلام دامس…

عن المؤلف