مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

شفرة الخلق (لغة الدم) بقلم هاني الميهي

اسم الكتاب : شفرة الخلق 

اسم الكتاب: هانى الميهى 

الفصل الأول: حين نطقت الخلية الأولى

الجزء الثالث: لغة الدم

 

ما أعجب تلك اللغة التى لا تُكتب ولا تُقال، بل تسكن الأعماق منذ لحظة التكوين الأولى.

الدم، هذا السائل الذى نحمله كهويةٍ صامتة، لا يخطئ طريقه، ولا يقبل الترجمة.

فيه أسرارنا الأولى، وشفراتنا القديمة، وميراث أسلافٍ لم نعرفهم، لكنهم يسكنوننا كما يسكن الضوء قطرة الماء.

حين يتحرك الدم فى عروق الإنسان، يتحرك معه التاريخ، والذاكرة، ووصايا الجينات.

إنها ليست مجرّد مادة حمراء تُروى الجسد، بل كتابٌ مكتوب بحبرٍ خفىّ، تفتحه الحياة وتقرأه دون استئذان.

منه تُستنسخ الملامح، وتُعاد كتابة الطباع، وتتشكل البصمات، حتى كأنّ كل إنسان هو فصلٌ جديد من روايةٍ بدأها الكون فى زمنٍ بعيد.

ولأن الدم لا يكذب، فهو وحده من يعرف حقيقة النقاء أو الخطيئة.

قد يتخفّى الفكر، وقد يُزَيَّف اللسان، لكن الدم لا يعرف المواربة.

إنه المترجم الأمين لما فى الجينات من أسرار، والمحقق الذى لا يخطئ حين يُصدر حكمه.

ولهذا، حين نقول إن الابن يُشبه أباه، فذلك ليس مجازًا أدبيًّا، بل تَوقيعٌ كُتب بالحياة ذاتها، على صفحةٍ من لحمٍ وعصبٍ ونبض.

والعجيب أن الدم لا يرث فقط الصفات، بل يحمل الذاكرة الشعورية نفسها؛

ذاكرة الخوف، وحنين النجاة، وغريزة البقاء.

إنه الشاهد الأقدم على معارك الكائنات، وأول من تَذوّق مرارة الفقد ولذة النصر.

ولعل الإنسان، مهما حاول أن يهرب من أصله، يجد نفسه عائدًا إليه دون وعى.

فالدم كالبوصلة، يُعيد صاحبه دائمًا إلى نقطة البداية.

ومن هنا، تبدأ الحكاية الكبرى: كيف تتحكم تلك الشفرة فى مصير من يحملها؟

وهل يمكن لروحٍ واعية أن تهزم لغةً صيغت قبل أن تُخلق الكلمات؟

 

#شفرة_الخلق

— #هانى_الميهى