مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الصيّاد بقلم هاني الميهي   

الصيّاد بقلم هاني الميهي

 

يولد الصيّاد وفي قلبه عطشٌ لا يُروى.

هو لا يعرف الانتظار، لأن الدم الذي يجري في عروقه لا يهدأ إلا حين يركض.

يؤمن أن ما يريده لا يأتي لمن يكتفي بالمراقبة، بل لمن يغامر بخطوته الأولى، حتى ولو خسر.

ولذا، فهو لا يعيش ليتفرّج على الحياة، بل ليقتنصها لحظةً بلحظة، امرأةً بعد امرأة، معنى بعد معنى.

الصيّاد حين يرى الأنثى، لا يُخفي إعجابه،

ولا يضع الأقنعة كما يفعل القنّاص.

هو صريحٌ في انبهاره،

يقترب كما تقترب النار من الوقود: دون حسابٍ، دون خوفٍ من الاشتعال.

يعرف أنه قد يحترق، لكنه يفضّل الاحتراق على البقاء باردًا.

فالحياة عنده لا تُقاس بطول العمر، بل بحرارة التجربة.

هو لا يخطط، بل يشعر.

يتتبع أثرها بنبضه قبل أن يتتبعها بخطاه.

يقرأ أنوثتها كما يقرأ الطفل قصةً جديدة،

يتلعثم في بداياتها، لكنه لا يملّ.

يتعلم من كل خطأ، ومن كل نظرة، ومن كل انسحاب.

فهو لا يصيد ليملأ جعبته، بل ليملأ روحه.

الصيّاد لا يبحث عن الكمال،

ولا يطارد المستحيل من أجل امتلاكٍ زائف.

هو يريد أن يعيش اللحظة بكامل فوضاها،

أن يرى في عينيها وعدًا مؤقتًا بالدهشة.

ربما يعلم أن الغد سيغيّره كل شيء،

لكنه يعيش اليوم كما لو كان آخر يومٍ في الوجود.

حين يحب، يحب بصوتٍ عالٍ،

لا يعرف التلميح ولا يطيق الانتظار.

يُعلن شغفه كمن يُعلن انتصاره على الخوف.

قد يُخطئ التعبير، وقد يُبالغ، لكنه صادق.

وما أقسى الصدق حين يأتي من رجلٍ لا يخشى الرفض،

بل يخشى أن يموت في داخله الفضول.

الصيّاد حين تبتعد عنه الأنثى، لا ينهار،

بل يعود إلى الطريق، لأن الطريق عنده جزءٌ من طبيعته.

لا يعرف الهزيمة، لأنه لا يصطاد ليملك،

بل ليجرّب، وليتذكّر أنه ما زال قادرًا على الشعور.

هو يحب الأنثى التي تُفاجئه،

التي تُغيّر خططه، وتُشعل فيه فوضى جديدة.

يجد فيها التحدي الذي ينعش غروره،

ويجد في صدّها اللذيذ لذةً لا يعرفها القنّاص الحذر.

إنها بالنسبة له ليست فريسة،

بل ميدان اختبارٍ لقدرته على البقاء حيًّا وسط رماد الأيام.

الصيّاد قد يرحل، لكنه يترك وراءه أثر المغامرة،

ذكرى لقاءٍ يشبه الريح، لا يُمسك، لكنه لا يُنسى.

هو لا يُعطي وعودًا،

لكنه يُعطي لحظةً صادقة، وهذا أكرم ما يمنحه رجلٌ يعرف معنى الوقت.

وفي النهاية،

يظلّ الصيّاد أسير طبيعته: يطارد ليحيا،

ويحيا ليطارد.

قد لا يملك شيئًا بعد كل هذا الركض،

لكنّه يملك ما لا يملكه القنّاص الهادئ:

قلبًا لم يتجمّد بعد، وروحًا ما زالت تؤمن أن الحياة لا تستحقّ أن تُعاش إلا بنبضٍ مرتجفٍ وشغفٍ صادقٍ حتى الرمق الأخير.

 

#هانى_الميهى