يرقص الموت على أنغام الحياة في غزة 

Img 20250417 Wa0074

كتبت: سارة أسامة النجار 

 

على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تقف غزة كمدينة تغزل الألم بالصمود، وتكتب صفحاتها بمزيج من الدموع والإرادة. هنا، بين ركام المنازل وقسوة الحصار، يعيش الإنسان حكايات لا تصل إلى العالم إلا مشوهة أو منقوصة. فالحرب ليست فقط قصفًا وأشلاء، بل هي تفاصيل يومية تُنسج في خيوط المعاناة، حيث يجتمع الجوع والعطش والخوف ليكونوا أعداءً لا تُقهر.

 

فغزة ليست مجرد اسم على خريطة، بل مرآة لصراع أبدي بين الطغيان والإرادة. ومع كل قذيفة تسقط، تزرع السماء أمنيات تُغرقها أصوات الصواريخ. إنها أرض الألم والأمل معًا، حيث يُولد الصمود من أعماق الوجع، ويتجدد الحلم رغم كل شيء.

 

بعد مرور شهر كامل على استئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تدهورت الأوضاع الإنسانية بشكل حاد، واستمر القصف المكثف الذي حول القطاع إلى منطقة منكوبة. الغارات الجوية والهجمات المدفعية لم تقتصر فقط على البنية التحتية، بل امتدت لتشمل حياة المدنيين، الذين يدفعون الثمن الأكبر في ظل هذا التصعيد المستمر.

 

منذ استئناف القتال في 18 مارس 2025، بلغت حصيلة الشهداء أكثر من 1691 شهيدًا فلسطينيًا، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فيما أصيب أكثر من 4464 مصاب بجروح متفاوتة الخطورة. كما نزح حوالي 500 ألف شخص قسرًا من مناطق سكناهم، في مشهد يعكس حجم الدمار الذي خلفته الحرب على السكان المدنيين.

 

استهدف القصف الإسرائيلي مئات المنازل والمنشآت المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، إلى جانب استهداف مباشر للمرافق الأساسية مثل محطات الكهرباء وآبار المياه، مما أدى إلى تفاقم أزمة المياه والطاقة في القطاع.

 

وكانت السمة الأبرز هي استهداف خيام النازحين وتكيات الطعام الخيرية، التي كانت تمثل شريان حياة لآلاف العائلات. هذه الجرائم تُرتكب وسط صمت دولي مطبق، مما يزيد من معاناة السكان.

 

وأصدرت القوات الإسرائيلية أكثر من 23 أمر إخلاء في مناطق مختلفة من القطاع، مع توسيع المنطقة العازلة إلى 30% من المساحة الإجمالية. كما أنشأت محورًا جديدًا فصل مدينة رفح عن خان يونس، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني.

 

 

كما وصفت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية الوضع في غزة بأنه الأسوأ منذ سنوات. يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية، مع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

 

ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 500 ألف شخص في غزة من مستويات كارثية من الجوع، بينما تُهدد الأمراض الصحية أرواح السكان بسبب انقطاع الإمدادات الطبية وشحّ المياه النظيفة.

 

ورغم الإدانات الدولية والمطالبات بوقف إطلاق النار، لم يكن هناك أي تحرك فعّال لإنهاء الأزمة. وصفت الأمم المتحدة الهجمات بأنها “جرائم حرب” وطالبت بفتح ممرات إنسانية لإغاثة السكان، لكن الانقسام الدولي حال دون تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض.

 

في غزة، حيث يرقص الموت على أنغام الحياة، يبقى الصمود هو اللحن الوحيد الذي لا ينكسر. ومع كل قذيفة تسقط، تُولد إرادة جديدة، تُعيد تعريف معنى الحياة وسط الدمار. غزة ليست مجرد مدينة، بل هي شهادة على أن الأمل يمكن أن يزهر حتى في أحلك الظروف.

عن المؤلف