بين التمييز والمساواة

Img 20250307 Wa0042

 

لـِ سها طارق 

 

في لحظات الصمت التي تملأ أرجاء البيت، وفي أعماق كل عائلة، يظهر كيف يمكن للآباء أن يتركوا فراغًا كبيرًا في قلوب أبنائهم بسبب التفرقة والتفضيل في المعاملة. يتمنى الأبناء جميعهم أن ينالوا نفس الحب والاهتمام الذي يُمنح لإخوتهم، حيث إن هذا الحب هو ما يعزز شعورهم بالأمان والانتماء. في بعض الأحيان، يبدأ التفضيل بالتسلل دون أن نشعر، مما يؤدي إلى نشوء صراع داخلي مؤلم في نفوس الأبناء: لماذا يتم التمييز؟ لماذا لا يبادلني والداي نفس الحب الذي يشعرون به تجاه إخوتي؟ هذه المشاعر قد تؤدي إلى تدني الحالة النفسية والانطواء، وتخلق جروحًا عميقة يصعب شفاءها.

 

إن التفضيل بين الأبناء قد ينشأ نتيجة لعوامل متعددة، مثل الأداء الأكاديمي أو النجاح المهني. وعندما نسمع كلمات تُشجع وتُحفز، نشعر بالقوة والقدرة على تحقيق الإنجازات. لكن عندما نُحبط من قِبل الوالدين، يبدو العالم من حولنا مظلمًا وكئيبًا. إن تمييز أحد الإخوة عن الآخر يمكن أن يزرع بذور العداوة دون أن ندرك، مما يؤدي إلى مشاعر الغيرة والحقد التي تتسلل بين الإخوة. فكل كلمة، سواء كانت بناءً أو هدمًا، تحمل في طياتها قوة تشكيل هوياتهم ونفوسهم.

 

الأبناء الذين يعانون من هذه المعاملة يشعرون بالحزن العميق، وتدور في أذهانهم هواجس مؤلمة. تتوالى الأسئلة: لماذا لا أستحق نفس المعاملة؟ هل أنا أقل قيمة؟ هل هناك شيء ينقصني؟ تلك المشاعر تملأ نفوسهم بشجن مؤلم، ومع مرور الوقت، يصبح من الصعب شفاء هذه الجروح، مما يؤثر سلبًا على ثقتهم بأنفسهم ويترك فراغًا كبيرًا في حياتهم. إن هذه الأسئلة لا تقتصر على لحظة الطفولة، بل قد ترافقهم طيلة حياتهم، لتصبح كظلالٍ تلاحقهم في كل تجربة جديدة.

 

لذا، يجب على الآباء أن يتحلوا بالعدالة والمساواة في معاملتهم لأبنائهم، وأن يمنحوهم القوة بدلًا من الضعف والشعور بالهزيمة. فعندما يشعر الأبناء بالتمييز داخل العائلة، كيف يمكنهم توقع العدل من العالم الخارجي؟ إن العدالة لا تعني فقط الإنصاف، بل تعني أيضًا بناء بيئة تحتضن القلوب وتغذي الأرواح، حيث يمكن لكل فرد أن يشعر بقيمته.

 

علينا أن ندرك أن حب أبنائنا يجب أن يكون متساويًا، بنفس القدر الذي نمنحه لإخوتهم، لكي تنمو بينهم روابط الأخوة الحقيقية والقوة، بدلًا من العداوة. يجب أن نسعى جاهدين لنكون عادلين في معاملتنا، وأن نكون قدوة في نشر قيم الحب والمساواة.

 

فلنتذكر دائمًا أن الأبناء هم زهور حياتنا، وكل زهرة تحتاج إلى رعاية واهتمام خاصين لتزهر. فلنكن على قدر من العناية بينهم، لتزدهر حديقة حياتهم بألوان الفرح والسعادة، بدلاً من ألوان الشجن والألم. إن استثمار الحب والعدل في قلوب أبنائنا هو ما يضمن أن تنمو أجيال قادرة على نشر الحب والمساواة في عالمهم، مُحافظةً على الأمل في غدٍ أفضل.

عن المؤلف