زاوية الأمان 

Img 20250227 Wa0000

 

بقلم: عبير البلوله محمد 

 

في قلب مدينة مزدحمة تملأها الأضواء الصاخبة والوجوه العابرة، كانت هناك زاوية هادئة تنبض بالحب والسكينة، وهنا، في هذا الركن الخفي، كنت أقف شامخًا كالشجرة التي ظلت تزهو بظلها الدافئ على المارين التائهين، كنت أرى في عيونهم حاجتهم إلى الملاذ، إلى الحضن الذي يحتوي ألمهم، ويضمد جراحهم غير المرئية.

 

كانت الحياة قاسية في كثير من الأحيان، وكان الظلم يطارد المظلومين كظل لا يفارقهم لكنني كنت أؤمن أن النور والعدل لابد أن يسودا، وهكذا، كنت أمد يدي بالقوة والأمل لكل من يبحث عنهما، وأكون النور الذي يضيء الظلمات مهما كانت حالكة، مرشدًا كل ضال نحو الطريق.

 

هناك في لحظات الخيانة التي تفاجئ الأرواح الطيبة، عندما ينهار سقف الثقة فوق رؤوسهم، كنت أجد نفسي حائط الأمان والوفاء، الركن الذي لا يخون، كنت أحتويهم بوفاء لا يعرف الهزيمة، وأمنحهم الثقة من جديد في عالم يستحق الحب.

 

وعند مفترقات الطرق، حينما يسيطر الارتباك ويُخيل للمرء أنه وحيد بلا دعم أو نصير، كنت دائمًا هناك، بصوت هادئ وقلب مليء بالثقة، أدعم وأحفز، مرافقًا إياهم نحو الأفضل، نحو الآمال التي رسموها لأنفسهم في صمت.

 

أما لحظات النجاح، فكانت تختلف، فهي ليست فقط قمة الانتصار، بل أيضًا اختبار للوحدة، عندما يمر النجاح دون تصفيق أو احتفاء، أجد نفسي الداعم والمشجع، أكون اليد التي تصفق والفرح الذي يصدح في كل الأرجاء، لربما لم يسمعني الكثيرون، لكنني كنت واثقًا أن صاحب الإنجاز سيسمع، وسيفهم أنني هنا لأجله.

 

لعل السؤال يتردد في الأذهان، لماذا أقدم كل هذا؟ لأنني ذقت من قبل مرارة البحث عن الأمان دون أن أجده، وواجهت الظلم في ظلامه دون بارقة أمل، وتجرعت خيانة الأوفياء في ليلة بلا نجوم. كافحت وحدي في طريق النجاح، دون أن يكون هناك أحد يهتف باسمي. ومن خلال تجربة الألم، اخترت أن أكون الدعم والرفيف، الجسر الذي يعبر عليه الآخرون بأمان، أن أكون النهر الذي يفيض بالحب والعطاء، باعثًا الحياة في كل من يحتاج.

 

بإعطائي هذا الأمان والسكينة للآخرين، أجد ذاتي، وأشعر بأنني أزرع البسمة في قلوبهم وأخفف من وطأة التجارب الصعبة التي عرفتها شخصيًا، وفي هذا، أحقق تلك اللحظات التي افتقدتها، وأعيش السلام الذي طالما تمنيت.

عن المؤلف