الشيماء أحمد عبد اللاه
كان ذلك الحبل الأسود الملقى بجانبه كلّ عالمه، منذ أن فُقد وسط الشوارع، وجد نفسه جالسًا هنا، بجوار ذلك العمود الخشبي البارد، يراقب المارة وهم يعبرون، كما لو أنه مجرد ظل لا يُرى، لم يحاول الهرب، لم يسأل لماذا هو هنا؟ فقط اعتاد الجلوس، كأن جسده أصبح قطعة من الرصيف، وكأن الوقت لا يعنيه.
لكنّ شيئًا ما بداخله لم يكن ميتًا، كان صغيرًا، ضعيفًا، لكنه لم يمت، في البداية، كان ذلك الصوت يهمس: “قف، غادر، أنت لست مقيدًا!” لكنه كان يخاف من أن يجد أن العالم ليس كما تخيله، يرتجف من أن تكون حريته مجرد وهم آخر.
وذات مساء، حين كانت الشمس تتثاءب بلونها البرتقالي الممزوج بالحزن، قرر أن ينظر إلى الحبل بطريقة مختلفة هذه المره، لم يعد يراه قيدًا، بل شيئًا يمكنه أن يلمسه، يلعب به، يحركه بين يديه، كأنه جزء منه وليس عدوه.
بدأ بتشكيله، صنع منه دوائر، ثم خطوطًا، ثم رسم به على الأرض أشكالًا لم يكن يعرفها، ابتسم لأول مرة منذ زمن، أصبح الحبل لعبته، وأصبح المكان مأواه، صار جزءًا من ذلك المشهد، لكنه لم يعد أسيرًا له مع الأيام، لم يعد ينتظر أحدًا ليأخذه، أصبح الآن كائنًا من هذا المكان، يتنفس معه، ينظر إلى الشارع بعينين جديدتين.
وفي إحدى الليالي، وهو جالس يراقب أنوار السيارات تعبر الشارع مثل نجومٍ ساقطة، شعر أنه لم يعد بحاجة للحبل، لكنه لم يرمه، بل لفّه بعناية وعلقه على العمود، كما لو أنه يترك ذكرى لشيء كان يومًا ما جزءًا من روحه، نهض ثم شدّ جسده المتعب، ومضى، ليس كمن هرب من سجنه، بل كمن قرر أخيرًا أن يعانق العالم بطريقته الخاصة.
كان ذلك اليوم الذي أدرك فيه أن التأقلم لا يعني الاستسلام، بل يعني أن تتعلم كيف تعيش حتى في الأماكن التي لم تخترها، حتى مع الأشياء التي كنت تظنها قيودًا.
المزيد من الأخبار
عزة النفس أولاً
جميعنا أشرار!
نعمة العافية