حوار: عفاف رجب
سنتحدث اليوم عن أثر مقولة تأثرتُ بها ضيفتي لـ رضوى عاشور: “هناك احتمالٌ آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا.”، كما ترى أن الأدب هو مرآة للروح الإنسانية، يعكس ما بداخلنا من أحلام وخيبات.
معنا حنان رضا، شابة في العشرين، تكتب بروح تبحث عن النور بالكلمات، تراها تعبيرًا وصوتًا لمن لا يجيدون التعبير عن ذواتهم. تدرس علم النفس الإكلينيكي، وتؤمن بقوة الكلمة في خلق الأمل أو هدمه، بدأت الكتابة في طفولتها تعبيرًا عن ذاتها ومشاعرها.
يصدر لها هذا العام روايتها”سبيل” تدور حول فتاة تحمل هذا الاسم، تناضل في عالمٍ متهالك انهار بفعل الطمع والظلم. تحاول سبيل، التي تحمل بين يديها بقايا النور، أن تجد طريقها وسط الفوضى وتعيد اكتشاف الأمل. اختارت هذا الاسم لأنه يعكس الرحلة والمعنى الذي تحمله الشخصية، حيث يمثل “سبيل” الطريق والخيار الذي قد يكون الوحيد للنجاة.
اقتباس:
“دربته الأيام على التعلق بقشة الأمل وطاقة الضوء، وإن كانت بحجم ثقب إبرة.”
إلى النص:
_ بداية الغيث قطرة؛ فمن أين بدأت غيث الكاتب؟ حدثينا عن هذا الجانب، وهل تحددين مواعيد للكتابة أم هي موهبة فطرية؟
بدأت الكتابة عندما كنت في سن صغيرة، تحديدًا في الصف الثالث الابتدائي، وبدأت بكتابة الشعر. أذكر أن أول قصيدة كتبتها كانت عن حرب أكتوبر. عُرفت بمشاركتي في المسابقات الأدبية وفقرات الإذاعة المدرسية، واستمتعت بهذا كثيرًا. مع بداية المرحلة الثانوية، شاركت بأول قصة قصيرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن مجموعة قصصية.
الكتابة لدي مزيج بين الموهبة الفطرية التي اعتمدت عليها طويلاً لصدقها، وبين التطوير الذاتي لمعرفة ما تحتاجه الموهبة كي تُثمر. أكتب عندما أشعر بنداء داخلي يدفعني للتعبير.
_لمَ بدأتِ بالكتابة؟ ولمَ تكتبين اليوم؟ وهل ثمّة جدوى تتحقّق من فعل الكتابة؟
كنتُ أتساءل، وكثيرًا ما أفعل: لماذا أكتب؟
ما الذي يدفعني لترك أثر على ورق هشّ يئنُّ تحت ثقل الكلمات؟
دفاتري تُجيبني، تلوّح بأوراقها،
تذكّرني بكل ورقة تحمل نجاتي، أو هكذا تدّعي.
لكن، هل حقًا نجوت؟ أم أنني أركض بين هزائمي، أزيّنها بالحروف،
أبني بيوتًا من رماد الأمل وأغطيها بوهجٍ يتبخّر كلما لمسته؟
أوثّق هزائمي وكأنها انتصارات،
عظامي الهشّة تقف شاهدة على معاركي التي لا تنتهي.
أكتبها وكأنني أخلّدها.
في كل جملة أزرعها على الورق،
هناك صوت داخلي يهمس:
“الكتابة فعل نجاة… أو ربما فعل غرق”.
لكنني أستمر، لأن الكتابة هي الطريق الوحيد
الذي أعرفه للخروج من نفسي…
أو العودة إليها.
أوثّق هزائمي وعزائمي بالكتابة.
_هل واجهتِ بعض الصعوبات في بداية مشوارك الأدبي، وإلى أي مدى سببت كتاباتك مشاكل لكِ إن وجدت؟
الصعوبة كانت في مواجهة الشكوك الداخلية حول جودة ما أكتب. كثيرًا ما هُزمت أمام نفسي، وتوقفت عن مشاركة نصوصي مرات عديدة، ولكن لم أتوقف عن الكتابة أبدًا. حتى عندما أصاب بفقدان الشغف، أجدني أكتب عنه أيضًا بين سطور عرجاء، لكنها موجودة.
_ من هو الداعم لكِ ومشجعكِ على الدوام خلال مسيرتك الأدبية؟
بدايةً بأهلي، الذين بدأوا يشجعونني ويفخرون بي عندما شاهدوا نجاحي البسيط. دائمًا أمتن لأنهم لم يمنعوني أو يعارضوني، وهذا يُحسب دعمًا بالنسبة لي.
أظن أن معلميني كانوا دعمًا كبيرًا لي، خاصة أثناء حصص التعبير. معلمو اللغة العربية في جميع مراحلي الدراسية وحتى أحد أساتذتي في الجامعة، كانوا جزءًا من رحلتي.
في مجتمع لا يقرأ كثيرًا، كان صعبًا أن أجد أصدقاء يشبهونني في اهتماماتي، لكن أصدقائي المقربين دائمًا شجعوني وحاولوا الاهتمام بما أهتم به من حين لآخر.
_بالنسبة لكِ؛ ما هي المعايير الواجب توافرها لدى الكاتب؟ وهل تفضلين الكلمات العميقة أم البسيطة التي تجذب القارئ أكثر؟
الكاتب يحتاج إلى الصدق، والأصالة، والقدرة على نقل مشاعر حقيقية. أفضل الكلمات التي تحمل عمقًا، حتى وإن كانت بسيطة، لأن الصدق في التعبير هو ما يصل إلى القارئ.
_حدثينا عن تجربتك مع الدار التي تشاركين معها هذا العام؟ وعلى أي أساس تختارين دار النشر؟
بحثتُ كثيرًا عن دار نشر تؤمن برسالتي وتتعامل مع الكاتب كشريك في النجاح. تجربتي مع الدار الحالية مستمرة، وأتمنى أن تثمر بالخير بعد تجربة المعرض إن شاء الله. أقدر روح الاحترام والعمل التي تجمعنا.
_بمن تأثرتِ كاتبتنا العظيمة، ولمن تقرئين الآن؟
تأثرتُ كثيرًا برضوى عاشور وصلاح جاهين، لقدرتهما على المزج بين العمق والبساطة.
أقرأ حاليًا في مجال علم النفس للأستاذ الدكتور عماد رشاد عثمان.
_ ما هو خمول الكتابة أو القراءة بالنسبة لكِ، وكيف تحكمين عليه بأنه خامل؟
الخمول هو افتقاد النص أو القارئ للوحي كما تسميه عائلتي، ولا أجد له مواضع ثابتة. أحكم على النص بأنه خامل إذا شعرتُ بعدم وجود شغف في كلماته وروحٍ تفتقر إلى الحياة. للنص شعور وروح، وإذا غابا، يصبح النص خاملًا.
_ إذا وجد الشيء وجد نظيره، فهل لاقت كتاباتك نقدًا؟ وكيف كان تأثير هذا النقد عليكِ إذا كان هدامًا؟ وما هي نصيحتك للنقاد؟
نعم، تلقيتُ نقدًا بناءً ساعدني كثيرًا على التطور، وأحيانًا نقدًا هدامًا حاولت تجاوزه. تعلمتُ أن أميز بين النقد المفيد والنقد الذي يهدف إلى الإحباط. نصيحتي للنقاد أن يتحلوا بالتوازن بين توجيه الكاتب ودعمه.
_هلّا كتبت لنا مقتطفاتٍ من كتاباتك؟
أحيانًا لا أشفع للحياة قسوتها ولا للإنسان كونه متبلدًا من كونه، ولكن دائمًا ما أترك لكل شيء عذرًا.
اليوم شعرتُ بثقل الحياة قليلًا، بأني غير قابل لغفران ما حدث، وربما غير مسامح للبشر همجيتهم.
وبصدق، أقول: قابلتُ بعض الهمج، أقصد البشر، في حياتي، لا يعلمون معنى أن يكون الإنسان إنسانًا.
وأنا يا صديقي في شتات طويل بين ما أنا عليه وبين ما أريده لصلاحي. كل ما حدث كان كما كان، لا أعلم إن كانت لي إرادة فيه، سوى أنني رضيتُ به وهنأتُ به عيناي، وكذلك بكت ليالٍ طويلة.
عتمت رؤيتي وأفاقت مرات، اختارت الوحدة واختارتني دون إرادتي أو إرادتها، ولكن شاء الأمر أن يحدث.
_إلامَ تطمح الكاتبة في المستقبل؟ ما الرسالة التي تحاولين إرسالها من خلال أعمالك؟
أطمح إلى أن تترك كتاباتي أثرًا ولو بسيطًا، بأن يخبرني أحدهم أني عبرت عن شعوره بكلمات نص ما لي، فهذا هو شعوري الوحيد بالنجاح هنا. رسالتي هي أن العالم، رغم قسوته، لا يخلو من الخير، وأن النور موجود دائمًا لمن يبحث عنه. فهم ذواتنا والعمل على فهمها وصلاحها هو كل المغذي، وأن التعري أمام ندوبنا والتعبير عنها والروح بها قد ينقذنا. أنا لسه في أول البدايات.
_ما هو منظوركِ للعلاقة بين الكاتب والقارئ؟ وهل هي علاقة متبادلة أم الكاتب هو الطرف الذي يقدم؟
أراها علاقة متبادلة، حيث يشارك الكاتب مشاعره وأفكاره، بينما يفسر القارئ النص وفق تجربته الخاصة.
_ ما هو العامل الأساسي الذي دفعك للاستمرار والتطوير؟ وما نصيحتكِ لكل المبتدئين؟
أنا الآن في بداية البدايات، لكن الإيمان برسالة الكتابة كتعبير ورسالة هو ما دفعني للاستمرار، وكذلك رغبة عميقة بشرية في تقديم شيء يبقى. نصيحتي للمبتدئين هي أن يكتبوا بصدق، وأن يستمروا في التعلم وتطوير أنفسهم مهما واجهوا من نقد من أحد، والأولى أن يتوجهوا إلى أنفسهم.
– وبالنهاية، بما تود أن تنهي الكاتبة حوارها معنا؟
ممكن بقصيدة لصلاح جاهين:
“أنا اللى بالأمر المحال اغتوى
شُفت القمر نطيت لفوق في الهوا
طلته ماطلتوش إيه أنا يهمني؟
وليه ما دام بالنشوى قلبي ارتوى؟”
تعبيرًا عن حالتي ككاتبة مستمتعة بالرحلة ومتفائلة جدًا ببداياتي، إن شاء الله خير. أعلم أن الكتابة مجال ليس عادلاً دائمًا، لكن الأهم هو أنني أبحث عن نفسي، وهذا هو الأهم بالنسبة لي. وأتمنى أن أستمر.
شكرًا على هذه المقابلة اللطيفة.
ومنا نحن مجلة إيفرست الأدبية نتمنى التوفيق والنجاح الدائم للكاتبة حنان رضا فيما هو قادم لها إن شاء الله.
المزيد من الأخبار
الكاتب اليمني عبد العزيز عبد الحكيم العبسي في لقاء خاص لمجلة إيفرست
مجلة إيفرست الأدبية تستضيف المبدع عبد الستار محمد
كتاب “وعانق واقعي حلمي” لـ علياء فتحي معرض الكتاب لعام 2025 مجلة إيفرست الأدبية