حوار: عفاف رجب
ترى كاتبة اليوم أن الكتابة ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي روحٌ حية تتنفس عبر الحروف، وتمتد عبر الزمن لتُسجل اللحظات والفكر والوجدان. هي رحلةٌ داخل الذات، حيث تبحث في أعماق روحها عن الكلمات التي قد تكون جسرًا يصل بينها وبين العالم. الكتابة ليست مجرد نقل أفكار إلى ورق، بل هي عملية صهرٍ داخلي، تتشكل خلالها الكلمات كأنها مشاعر متبلورة وأفكار متجسدة.
أما الأدب، فهو فضاءٌ لا محدود، يعيش في قلب الإنسان ويعكس صراعاته، آماله، وأوجاعه. الأدب هو ذلك النهر الذي يحمل أفكارنا ومشاعرنا إلى أماكن غير مرئية، ليكشف عن أعمق جوانبنا. هو مرآة لزمانٍ ومكانٍ لا يقتصر على الحاضر فقط، بل يتجاوز الحدود ليصل إلى أبعادٍ أوسع من الخيال.
الأدب بالنسبة لها هو لغةٌ صامتة تُنطق بصوتٍ عميق، هو صوت العقل في أوقات السكون، وصرخة القلب في لحظات الألم. الكتابة، من خلال الأدب، هي لحنٌ ينساب في آذان العالم ليعزف سيمفونية من الأفكار والمشاعر التي لا تموت، مهما مر عليها الزمان.
وإليكم ضيفة الدار والمجلة الجديدة سارة أسامة النجار، يصدر لها هذا الموسم رواية بعنوان “سأكتب” بين طيات دار نبض القمة.
سارة أسامة النجار تقول في بداية حوارها:” ولدتُ لأحمل اسمي الذي وهبني إياه أبي هديةً أولى، وكأنّه أراد أن يجعل منّي سفيرةً للأمل ومبعثًا للسرور. اخترتُ الإعلام دربًا لي، ليس فقط لأنه فنٌّ يُقرّب القلوب، بل لأنه نافذتي إلى العالم، وسلاحي لنقل رسائل التغيير.
بعد تفوّقي في دراستي، أبحرتُ في عالم الإعلام، فصارت الكاميرات والميكروفونات رفاق دربي. قدّمتُ البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وشاركتُ في خدمة مجتمعي عبر مبادراتٍ كتبت بصمتها على القلوب قبل الأماكن.
كان العمل الإنساني مرآةً أرى فيها روح غزة الصامدة، ومن خلاله لامستُ أرواح الناس وآمالهم. أطلق عليّ البعض لقب “وزيرة الإيجابية”، وهو شرفٌ أحمله لأبثّ عبر إنستغرام محتوى يُضيء العتمة وينثر الأمل.
هكذا هي حكايتي، حكاية فتاةٍ نشأت في أحضان غزة، فلسطين، وتعلمت أن تصنع من الألم حكايات أملٍ تُروى”.
إلى النص:
_كيف بدأتِ مشوارك الأدبي؛ ومتى؟ وما هي أصعب المواقف التى مررت بها؟
يولد حبّ الضاد فينا مع أنفاسنا الأولى، وأولى خطواتنا على درب المعرفة هي محاولة فك شيفرة الحروف المتعانقة في “أبجد هوز”. أذكر أنني عشقتُ القراءة منذ نعومة أظافري، وبدأتُ أكتب نصوصًا صغيرة أسمّيها أشعارًا، جمعتها مع أختي وابنة عمي في دفتر صغير أسميناه “ديوان الأمل”.
وفي المرحلة الثانوية، كان مدرّس اللغة العربية يلحّ عليّ لأعرض عليه ما أكتب، لكن خجلي كان عصيًا على محاولاته، فأبقيتُ كلماتي طيّ الكتمان. ومع انضمامي إلى كوكب التواصل الاجتماعي، بدأتُ بمشاركة نصوصي مع الأصدقاء والمتابعين على هيئة خواطر وقصص وشعر، كنافذة للتعبير عن أفكاري ومشاعري.
قبل فترة وجيزة، قررت أن أضع لمشوار الكتابة عنوانًا يحمل وعدًا، وبدأت أنشر أعمالي تحت وسم # نويت_أصير_أديبة، وأردت أن يكون هذا عنوان أول كتبي. لكن، كما هي الحياة، تأتي الرياح أحيانًا بما لا تشتهي السفن، إذ تعطل جهازي المحمول وفقدتُ معه خربشاتي الأدبية. كان ذلك أشبه بسكب الماء على نار الكتابة، فأطفأت حماسي وأبعدتني عن القلم حتى الربع الثاني من العام المنصرم.
ومن هناك، نهضتُ مجددًا، مثل طائر الفينيق، أستعيد حروفي وأعيد صياغة أحلامي على صفحات بيضاء جديدة، أؤمن بأن كل سقوط بداية لتحليق جديد.
_ما سبب تسمية الرواية بهذا الاسم “سأكتب”، وما هي فكرة العمل، ومن أين بدأت لكِ فكرة الرواية؟
تعلمتُ من دراستي في الصحافة أن اختيار اسمٍ للعمل هو أصعب مراحل الكتابة، إذ كثيرًا ما كنت أنهي مقالاتي وأعمالي الصحفية بسرعة، بينما أبقى لأيام عالقة في حيرةِ انتقاء اسمٍ مناسب. لكنّ الأمر اختلف تمامًا عندما بدأتُ كتابة الرواية؛ فقد اخترت اسمها قبل أن أخط أول حروفها.
“سأكتب”هو وعيدٌ صريحٌ لنفسي والعالم، بأني سأتسلح بقلمي، وأروي كل شيء كما هو، بكل ما يحمله من ألم وحقائق. والسين في “سأكتب” ليست للتسويف أو التأجيل، بل تحمل معنى الاستمرارية والتحدي، وكأنها عهدٌ بمواصلة الطريق مهما بلغت الصعاب.
الرواية احتضنت قصصًا واقعية عن حرب الإبادة الجماعية التي عصفت بقطاع غزة لمدة تقارب 470 يومًا، تلك الأيام التي غزلتُ خلالها من الألم حكايات، ومن المعاناة بصيص أمل. خرجت الرواية من خيمة النزوح، تحت وطأة القصف واشتداد المعاناة، لكنها لم تخلُ من طيف الأمل الذي يبقى حاضرًا، مهما اشتدت العواصف.
هكذا وُلدت “سأكتب”، لا كعنوان فحسب، بل كصرخة حياة ومقاومة تنبض بين السطور.
_هلا حدثتني وبشكل مُبسط عن شعورك حينما تم اختبار روايتك بأن يتم نشرها، وكيف كان التعامل من قِبل دار نبض القمة؟
كان قلبي كطائر اكتسب أجنحة جديدة، يحلّق عاليًا في سماء الإنجاز، ممتلئًا بشكرٍ عميقٍ لله. في اليوم الأول من عام 2025، تلقيت خبر قبول روايتي، وكان ذلك كأنه هبةٌ من القدر وإشارةٌ مشرقة بأن الخير قادمٌ لا محالة.
شعرتُ حينها أن الفرح ليس مجرد إحساس، بل قوة تدفعنا للإيمان بأن الخيال هدية، وأن الأحلام قابلة للتحقق، وأن ما نخطّه بأقلام قلوبنا هو وعدٌ مؤجل سيصبح يومًا ما واقعًا ملموسًا.
أما دار نبض القمة، فقد كانت شريكًا حقيقيًا في الحلم. تعاملهم الراقي واحتفاؤهم بروايتي أشعرني أنني لستُ وحدي في هذا الطريق، بل هناك من يمدّ يدًا ليحمل معي هذا الحلم. بهذا، اقترب وسم # نويت_أصير_أديبة من أن يتحول إلى حقيقة تُقرأ، ورؤيةٍ تحتضنها عيون القُرّاء.
_لِمَ اخترتِ دار نبض القمة بالتحديد، وما الذي يوجد بها دون غيرها من الدُور الأخرى؟
في الحقيقة، لم أكن أنا من اختار دار نبض القمة، بل هي التي اختارتني. كانت البداية مصادفةً حين شاركتُ في مسابقة أدبية عبر مجلة إيفرست، وفزتُ بالمركز الأول. ذلك الفوز حرّر قلمي من سباته، وأنجب نصوصًا متعددة نُشرت عبر موقع المجلة الإلكتروني.
في تلك اللحظة، أدركت الرسالة المبطنة: إيمان القائمين على الدار والمجلة بالمواهب الناشئة والكتّاب الجدد. شعرتُ أن قلمي، الذي كان يتلمّس طريقه، وجد أخيرًا بيتًا آمنًا يثق به، وهذا ما منحني الجرأة لوضع روايتي بين أيديهم.
ما ميّز نبض القمة ليس فقط التعامل الراقي الذي لامس روحي، بل أيضًا السرعة في الاستجابة، والدقة المتناهية في العمل. شعرتُ معهم أنني لا أنتمي لمجرد دار نشر، بل لبيتٍ أدبي يحتضن الحلم ويصعد به نحو القمة. ولهذا، أيقنتُ أن روايتي ستجد النور، وستبلغ القمة بفضل هذا التعاون المثمر.
_من الداعم لكِ في مسيرتك الأدبية؟
إن كان الفضلُ بعد الله يُنسب، فأهلي هم أول من يستحقون ذلك. هم الذين غرسوا في روحي بذور الطموح، ورعوها بحبهم، وصبرهم، ودعمهم المستمر. كانوا السقف الذي احتميت تحته، والأرض التي وقفت عليها بثبات.
أما أصدقائي، فقد كانوا كالرياح التي تدفع أشرعتي نحو أفق الحلم. وهنا، لا يسعني إلا أن أذكر صديقتي الوفيّة ملاك، التي تقرأ كلماتي بعين قلبها قبل أن تراها بعينها، تجمع شتات نصوصي كأنها تحنو على طفلٍ صغير، وتشجعني على أن أصدح بما أكتب بلا تردد.
وأختي دالية، كانت المرآة التي أرى فيها نصوصي كما هي، بصبرها واهتمامها، حفظت معي أجزاء الرواية من الضياع، وكأنها تخشى عليها كما لو كانت جزءًا من روحها.
أما القُرّاء، فهم نبضُ كلماتي. بحبهم واهتمامهم، أشعلوا في نفسي شعلة الاستمرار، فكانوا الحافز الذي يدفعني لأن أُحسن وأُبدع. لكل هؤلاء، أُهدي نجاحي، فهم النور الذي أضاء طريقي نحو الأدب.
_إلاما تطمحين في الفترة المقبلة؟
طموحي، يا سادة، أشبه بقلعة شامخة، تسكنها العزّة، وتقف شامخة في وجه كل غزوٍ، بلا خوفٍ أو تردد. ليس هناك سقفٌ لطموحي، ولا حدود تُعَرّفُه، بل هو حلمٌ مستمر، لا يتوقف ولا ينتهي.
أعدكم بأني سأظل أكتب، وسأظل أُعطي بلا توقف، وأتسلق قمم النجاح كما لو كانت جبالًا من طموح، بلا كللٍ أو ملل. ستظل كلماتي رفيقة دربي، وسأستمر في رسم مستقبلي بخطى ثابتة نحو الأعلى، حيث لا مكان إلا للنجاح والتقدم.
_الكتابة والقراءة وجهين لعملة واحدة؛ لمن تقرأ الكاتبة؟ وما الذي يجذبها من أنواع الكتب؟
الكتابة والقراءة هما جوانب لا تتجزأ من حياتي، فأنا أتفاعل مع الكثير مما أقرأه، وأسعى لأن أتعلم من خلال كلمات الآخرين وأفكارهم. أقرأ لأصغر وأكبر، للأدب الكلاسيكي والحديث، للخيال والواقع، ولمن يمزج بينهما.
لا أحصر نفسي بنوع محدد من الكتب، بل أجد نفسي متنقلة بين عوالم متعددة، لكنني أعترف بأنني تركت قراءة الروايات العربية لفترة، بعدما أثرت فيَّ بعض التعابير السطحية التي انتقدت المجتمع بشكل تافه. ومع ذلك، استطعت أن أجد رواياتٍ عربية كتبها عباقرون في الفكر والأدب والبلاغة، تجذبني وتبهرني بعمقها وجماليتها.
أنا منفتحة دائمًا لقراءة كل ما يُكتب بإبداع وعمق، لأنني أؤمن بأن كل كتاب يمكن أن يقدم لي شيئًا جديدًا ومفيدًا، سواء كان في الأدب، الفلسفة، العلوم، أو حتى في الخيال.
_هل لنا بنصيحة منكِ للكاتب الذي في بداية طريقه؟
أيها الكاتب المبتدئ، إليك منّي نصيحة هي أصداء تجربة وعبق حكمة: لا تظن أن الكتابة مجرد سطور على الورق أو كلمات تُنقش على صفحات الزمن. هي أكثر من ذلك بكثير. الكتابة هي نبض قلبك حين يتوقف الزمان، وصوتك حين تعجز الحروف عن التعبير عن أسرار روحك. فلتكن قلمك أداة تنحت بها أفكارك، ولتكن كلماتك كالريح التي تعبث بالأفكار في أفق بعيد.
قبل أن تُنقِّب في خبايا العالم وتغوص في أعماقه، اجعل من نفسك بؤرة التأمل والإنصات. اقرأ ما بين السطور، ولا تقتصر على الكتب فحسب، بل اقرأ الحياة بكل تفاصيلها؛ أصوات الناس، همسات الرياح، شروخ الأرض. ثم، حين تمسك بالقلم، لا تكتب لتملأ الفراغ، بل لتترك وراءك أثرًا. اكتب كمن يزرع بذرة في قلب الزمان، لعلها تنمو في مكان ما، وتثمر في عيون آخرين.
لا تخشى من البداية المتعثرة، فالسماء لا تشرق في لحظة، ولكنها تحتاج إلى غيوم وأمطار كي تتلون بألوانها. الكتابة مرآة للروح، وكلما تعثرت، كلما كانت فرصتك لتكتشف في نفسك ما لم تكن تعرفه بعد. فلتصنع من الصمت صوتًا، ومن الفكرة شِعْبًا تسير فيه قافلة الكلمات.
وفي النهاية، تذكر أن الكاتب الحقيقي لا يتقيد بالقواعد وحدها، بل يسعى لإبداع عالمه الخاص الذي يمزج فيه بين الواقع والخيال، بين الحلم والصبح، ويغني به قلبه، فتغني به أجيال قادمة.
_كلمة أخيرة لقُراء مجلتنا الأعزاء؟
أيها القراء الأعزاء،
حين يشتعل الحلم في القلب، ويتناثر الحبر على الصفحات، تُولد الكلمات كما يولد الضوء من بين ظلال الليل. في هذه اللحظة التي أكتب فيها إليكم، لا أرى أمامي سوى طريق طويل من الأحرف التي تدعوكم إلى مرافقتي في رحلة تلامس الروح، وتنبش أعماقنا بحثًا عن معاني الحياة والأمل. من خلال روايتي الأولى “سأكتب”، لا أقدم لكم مجرد حروف وأحداث، بل أفتح لكم أبوابًا نحو عوالم غير مرئية، حيث يقف الفكر متأملًا أمام تحديات الإنسان وارتباكاته، وحيث يعثر كل منّا على ذاته في صفحاتٍ متطايرة.
وأنا هنا، في نهاية هذا الحوار معكم، أدعوكم لزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يمكنكم أن تحملوا بين يديكم روايتي، وتكونوا جزءًا من رسالة أبعث بها من قلبي إلى كل من يعشق الكلمات، ويسعى إلى فهم أعمق للوجود. في المعرض، ستجدونني هناك، بين الكتاب والمثقفين، أنتظر دعمكم وتشجيعكم، كما أنني متحمس للقائكم ومشاركتكم تلك اللحظة المليئة بالأمل.
فلتكن كلمة “سأكتب” جسرًا يربطنا، ولتكن روايتي بداية لحوار بيننا لا ينتهي. دعونا نكتب معًا فصولًا جديدة، ونُضيء بها دروب الحياة.
أراكم قريبًا في القاهرة، حيث الكتب، حيث الفكر، حيث الأحلام التي لا تنتهي.
مع خالص المحبة والامتنان، لكِ أ. عفاف ولكل القُراء.
سارة أسامة النجار
ومنا نحن مجلة إيفرست الأدبية نتمنى التوفيق والنجاح الدائم للكاتبة سارة أسامة النجار فيما هو قادم لها إن شاء الله.
المزيد من الأخبار
ديوان دم وربابة للشاعر أحمد محمد العزوني على رفوف دار نبض القمة
الكاتب كمال إبراهيم وديوانه” عيل قليل الأدب” داخل أسوار نبض القمة
الكاتبة رماح عبدالجليل ومجموعتها القصصية بين طيات دار نبض القمة