الكتابة بين الفلسفة والبلاغة

 

كتب: محمد إبراهيم

 

لقد خُلقنا جميعًا بشرًا، لا نفقه الجيد من السيء، فلما تعقلنا للحياة وصارت عقولنا راجحة، وهِبنا جوامع الكلم وقد تفوقنا على أنفسنا فخططنا بالقلم ما يمجد تاريخنا ولغتنا وفصاحتنا فمَن نحن؟ نحن العرب.
على غرار الوقائع والأحداث الراجحة في التغيير الجذري للمحتوى الأدبي، فقد ظهرت إسقاطات عدة لإحباط مخططات النهوض الأدبي من الأرتقاء بالأدب، لما يحتويه من علم ومعرفة، لما يحرك شهوات البشر وغرائزهم الطبيعية ليضع يده نصب التهكم على حقوق الأدب، التي صرت أوقن أنها على مشارف الموت ولربما أصابها جواد اللغة القاتل فما عادت تستطيع النهوض، ولكن هناك بعض الإحيائيين الشباب الذين يحاولون إحياء أمال الأدب واللغة العربية كما كانت من قبل، نهج الكتابة بين الفلسفة والبلاغة.

 

 

دعنا نقتصر الحديث في شطرين مهمين، هناك فئة لا حصر لها تكتب وهناك فئة تحاول النهوض بما بقى من الأدب، وأنا هنا أسرد عن هؤلاء بمعرفتي العامة، وليس بمعرفتي الكاملة، فأنا لم أقرا للجميع ولكنني أحاول جاهدًا؛ فأتبعوني لأتحدث عن:
(مصطفى صادق الرافعي- فيودور دوستويفيسكي)
( عبدالله محمد كامل – السيد الشايب)

 

 

“الفلسفة”
عرف فيودور دوستوفيسكي فلسفة الحزن والأسى والمعاناة الناجمة من كل شيء، ولقد علم الجميع بهذا الأمر من خلال رواياته الفذه، التي اثارت جنون قراءه لما تحتويه من فلسفة رائعة وغير قابلة للنقاش.
فقد هو يجيد التلاعب بالقارئ وجعله يقبع في حفرة لا حصر لها من التساؤلات. وقد يخيب ظنه في النهاية فقد يخيل للقارئ نهاية ويصدمه بأخرى غير المتوقعة.
استطاع عبدالله مواكبة هذه الفلسفة، وإحياء فلسفة خاصة به. وقد تجسد الأمر في نصوصه ، كتاباته المتقنة، و روايته (سم الخياط) وقد أرضت الجميع_ بلا استثناء_ وهذه الرواية أراها بمنصب الإبداع الجديد، وأنها ستثير ضجيجًا لا حصر له.
وقد تفوق عبدالله على جميع من في مثل سنه ومن هم أكبر سنا ، بفلسفته الجديدة وأسلوبه المتميز.

 

 

وعلى الجانب الأخر سأذكر الرافعي، وفلسفة الرسائل، في كتبه، فلسفة الحب، فلسفة الخذلان والندم، جميعهم غرسوا بداخل القارئ معاني الرافعي العريقة، وفلسفة الواقع الممزوج بلغة جيدة جدًا.
وقد لحق الرافعي السيد الشايب في هذه الفلسفة، فقد وضع قدمه في أدب الرسائل من خلال كتابه “أبلغوا رسالاتي” وهذا الكتاب نرى فيه فلسفة الحب والندم يمتزجان في مزيج رائع لا حصر له، وقد وضع أيضًا فلسفة البؤس والحزن في رواية “مدهامتان” عمله الأول وقد سطر السيد فلسفة تجمع بين مأساة عامة الناس ومأساته الخاص؛ ليفتعل مزيجًا لا حصر له من الابداع والإتقان العام في هذه الفلسفة.

 

 

 

 

“البلاغة”
وضع الرافعي بلاغة رائعة وحسن إنتقاء للمفردات والمعاني، وقد سطر العديد من المقالات الإبداعية لغويًا وبلاغيًا، وتجسد هذا في كتبه، فمن منا لا يعرف الرافعي، ولكن هل سياتي شخصًا كالرافعي؟ ولما لا؟! فإني أرى الأنسب لهذا الأمر هو “السيد الشايب” وهذه وجهة نظر، فلقد رأينا اتقان بلاغة الشايب، وحسن صياغة مفرداته، وقوتها في مختلف أعماله، كما التي يعمل عليها حاليا.
ولربما أصاب السيد السهم موضع التصويب، كما يريد ولكنني أعلم أنه يسيطر على البلاغة حاليًا.
كما جاء عبدالله محمد كامل ببلاغة ذات مذاق متنوع، فقد وضع البلاغة في حيز أن لكل شيء وصف، ولكل تشبيه تشبيه آخر أقوى وأشد دقة مما يصفه غيره؛ ليضعنا في حاجز ضيق ألا وهو إلى ماذا يهدف التشبيه؟ وعند مراجعة التشبيه مرات عظة، نكتشف أنه الأفضل والأدق، ولكن بلاغة عبدالله تتجسد في التحكم اللغوي بمفرداته وحسن إنتقائه لها، بالفعل هو يستحق جائزة لهذا الإبداع.
ولقد أريتكم نموذجين في الكتابة أنا أقتدي بهما قبل أي شخص، وإني قد كتبت هذا المقال ليس مجاملةً أو تقربًا منهما ولكن ل روئيتي أنهم الأجدر بأن يكتب فيهما هذا المقال، وتستطيعون التأكد من خلال القراءة لهما.

عن المؤلف