بقلم: عبير البلوله محمد
كانت الشمس تتسلل بخجل عبر نافذتي، لتُسقط ضوءها على الجدران في شكل لوحات ظلال تحكي ذكريات الماضي، كنت أراقب تلك الأشعة وهي تعبث بذاكرتي، تجرني عبر الزمن إلى لحظات صورتها عقلي بدقة تامة حتى غدت كأنها حاضرة الآن.
تتأجج في داخلي شعلات الذاكرة المتقدة، أعيش بين صخب الحاضر وسكون الذكريات، حيث يجتاحني شوق جارحٌ إلى زمنٍ مضى، أجد نفسي أحيانًا مثل فيل يعيش في أدغال فسيحة، ظاهريًا هو الأضخم والأقوى، لكن داخليًا تطارده مخاوفٌ صغيرة لا تُرى، قادرة على اجتياحي وسط ركامٍ من الأشواق.
في كل خطوة أخطوها، تُلاحقني الذكريات كظلٍ يُلازم كياني، أحيانًا أتساءل: أي قوة لهذه اللحظات العالقة في ذهني لتؤثر في حاضري وتوجه مصيري؟ كيف لهذه الومضات الصغيرة، المحملة بالحنين، أن تكون محور حياتي ومصدر تساؤلاتي؟ أستشعر أنني أسير في متاهةٍ تُحبسني فيها ذاكرة لا فكاك منها، فعلى الرغم من ندائها الساحر، إلا أنني أبقى سجينَ لحظاتٍ لم أعد أملك سوى أطيافها.
الذاكرة، بأطيافها اللامتناهية، تشكل منا نسخًا متعددة، فهي تحررنا أحيانًا لتجعلنا نطير فيح فضاءات الإبداع، لكنها في أحيان أخرى، تضعنا في سجن لا مرئي، يقيد أرواحنا، قد يبدو الهروب منها حلًا، لكن الحقيقة المرة أن لا مهرب منها، فهي جزء لا يتجزأ منا.
في لحظات الصفاء، أدرك أن تلك الذكريات، رغم كل الألم الذي تحمله، تكتنز في طياتها درسًا ثمينًا: أنها السبيل لفهم أنفسنا وتحديد خطواتنا نحو المستقبل، تُذكرنا بأننا نعيش في عالم تُشكله تجاربنا السابقة، بخياراتها واسقاطاتها، لتظل دومًا هي المرآة التي نرى فيها أنفسنا.
هكذا يعيش، من يمتلك ذاكرة قوية تأبى التفريط في أي تفصيلة من تفاصيل الحياة، يبحث عن التوازن بين استدعاء الماضي وصُنع حاضر.
المزيد من الأخبار
غرفٌ بعيدة
صراع الإرادة
ليس لها طفولة ولا شيخوخة