20 ديسمبر، 2024

ليس لها طفولة ولا شيخوخة

Img 20241215 Wa0003

 

كتبت ملاك عاطف

 

إنّها مخلوقةٌ من ضلع النّضج، تتنفّس الصّبا، وتقتاتُ على الاتّساع، وتشربُ الفرادة، وتتوّجُ كلّ يومٍ أميرة في ضادها. ولدت بعد مخاضٍ طويلٍ عاشته الأرض، وصرخاتٍ كثيرةٍ بنبرةٍ حادّةٍ من لغاتٍ كثيرة، كانَ مهدها قوّة، وعُمُرها ينطوي بين دفوف المصاحف؛ هاربًا من وهن الصّغر. لقد أحبّتها السّنينُ حدّ الذّوبان في شبابها، وعانقتها ألوفٌ مؤلّفة من الشّهورِ حتّى نسيَ الهَرَم الطّريق الموصلة إليها. استقبلت الحياةَ أمًّا، كأنّ اللهَ قد جبلها من أحنّ إحساسٍ على الإطلاق، كأنّهُ قد زكّاها برفعةِ الخُلود في اللّوح المحفوظ، وكرّمها بأن تخطّ كلامَه، وحباها شرفَ الأفضليّة، ثمّ كتب لها أن تهبط محمودةً في أطهرِ البِقاع، وتحطّ فصاحتها بِهيبةٍ على رؤوس ألسنة النّاس؛ لتحنّكها بالبلاغة والفصاحة. إنّها العربيّة، سيّدة بديمومتها، ملكةٌ بسحرها، ماسةٌ بتراكيبها، أثريّةٌ نادرةٌ ببنيتها. إنّها الوحيدةُ الّتي مدّت فخذ حروفها وسادةً لخلجاتي، وربّتت برصانتها على كتتفِ ضعفي، وربّت مَلَكتي الأدبيّةَ برحابةِ صدر معجمها، واحتضنت نصوصي، ودثّرت عباراتها بدفء بديعيّتها حّتى سكنت. إنّها الملاذ الآمنُ لروحِ شعوري، والصّوتُ الصدّاحُ بسموّ رسائلي، ونبعُ الحبرِ الّذي تفانى بكلّ طيب خاطرٍ في صياغة مذكّراتي. إنّها فخرُ، وذخر، ودرّ. إنّها عروسٌ مهرها صدق أقلامنا، وزفافُها صدقُ حبّنا، وبيتها عراقةُ مكتباتنا. إنّها لنا ومنّا وفينا، إناؤها قلوبُنا وكلّها سقاءُ لمنطقنا.

عن المؤلف