20 ديسمبر، 2024

غرفٌ بعيدة

Img 20241217 Wa0001

 

ملاك عاطف

“هناك غرف بعيدة نغلق أبوابها خلفنا، لكنها تظلّ مفتوحة في أرواحنا، تعوي فيها الرّيح بلا توقّف” تطيلُ العواء، وتتغنّى به، وتدقّ أصداؤها إيقاعات الشّماتة على بطون آلامنا المحشوّة بأكوامٍ من أسرار الوحدة والخذلان. تعوي بلا ملل، وتهيّج نداءات الماضي لصورنا الهزيلة؛ فتأتي بهياكلنا الطّريّة، وتطحنُها بأسنان المعاناة الحادّة، وترشُّها بسمّاق قسوة الظّروف الحامضة، ثمّ تنثرُها في جوفِ أفئدتنا؛ لتقدحَ غبارًا كلّما حانت من أحاسيسنا نبضة. تعوي وتعوي، وينفخُ صفيرُ الذّكرى في ناي الأماني المكسورة؛ فيصدر صوتُ النّغم متقطّعًا مبحوحًا، وترقصَ على آهات لحنه أهدافنا البكر؛ آملةً أن يكونَ ذاك العواء والصّفير الخاوي لحن أهزوجةٍ في عرسها. تعوي ويتصلّب صخورًا على شاطئ الزّمن؛ فتصنعَ منها أحلامُنا الغضّةُ سلّمًا تصعدُهُ إلى ثريّا الصّيرورة. تعوي في آذانِ إرادتنا وسوسات استسلام، لكنّها تغلقها بأصابع التّوكّل؛ خشيةَ أن تُكسرَ وتظلّ بلا جبيرة. تعوي ببوقِ التّحقيرِ عندَ باب دهليز النّفس، لكنّ الحياةَ تبعثُ نورَ الثّقةِ في لبِناته؛ كي يُقذفَ فزع المواجهةِ في قلب الحزنِ ويأوي إلى فرارٍ بلا رجعة. كلّنا تستوطننا غرفٌ مغلقةٌ بأقفال التّناسي، تعوي فيها الريحُ على مسمعِ أرواحنا باستمرارٍ في محاولاتٍ مستميتةٍ لنهبِ عمرِها وإعدامِ ينعها؛ لذا تجدرُ بنا المقاومة، وتلزمنا حليةُ الصّبر المرصّعة بالثّبات، وتليقُ بنا نفحات الجنّة.

عن المؤلف