ظلال الوقت

Img 20241218 Wa0023

كتبت منال ربيعي 

كان صوت المؤذن يتسلل من بعيد، يشبه نداء قديمًا لا يزال يطوف حول الروح. جلست “ليلى” على شرفتها القديمة التي لطالما احتضنتها في طفولتها. كانت سوهاج تُطل عليها كما عهدتها، ببيوتها العتيقة ونسائم الصباح التي تعبق برائحة الخبز.

 

تساءلت ليلى: كيف يمضي العمر بهذه السرعة؟!

تذكرت جدتها وهي تنسج السجادة الصوفية على ضوء الفانوس، تُردد بصوت هادئ:

“الأيام يا ابنتي مثل الماء… إما تتركها تنساب أو تحملها في راحتيك فتتعلم منها شيئًا.”

ابتسمت حينها ولم تفهم، لكن الآن باتت تعرف أن الجدّة كانت تعني أكثر من مجرد حكمة عابرة.

 

كبرت ليلى بين دفاتر الدراسة، شغفها بالمسرح المصري حملها إلى عوالم الخشبة والكلمات، لكن شيئًا في داخلها كان يحنّ إلى تلك الطفلة التي كانت تعدو خلف الطيور على أطراف الحقول.

تعرفت على “نادر” في الجامعة، كان يشبهها في عشقه للتاريخ وحلمه بأن يصنع شيئًا خالدًا، لكن الأيام تفرقت بهما كما يفترق نهر النيل إلى روافده.

 

المشهد الأول:

بعد مرور خمس سنوات، التقت ليلى بنادر في أحد المعارض الفنية بالقاهرة. كان بينهما حديث شجي مليء بالذكريات، لكنه حديث ينتمي إلى الماضي، خالٍ من الأمل. قالت ليلى وهي تحدق في اللوحة:

“نحاول أن نُمسك الزمن، لكنه دائمًا يتفلت كالرمل بين الأصابع.”

أجابها نادر:

“ربما لا نُمسك الزمن، لكننا نُخلده بما نتركه من أثر.”

 

المشهد الثاني:

عادت ليلى إلى قريتها بعد سنوات طويلة. كانت تظن أن بعودتها ستجد الطفولة بانتظارها، لكنها وجدت بيت الجدة مهجورًا، والسجادة القديمة قد أكلتها العثة. جلست هناك تبكي طفلةً دفنت في طيات الماضي، حتى سمعت صوتًا صغيرًا. التفتت لتجد ابنتيْن صغيرتين تلعبان في الحقل ذاته الذي كانت تعدو فيه. ابتسمت وقالت:

“ربما يسرقنا الوقت، لكنه يعيد الحياة إلى ما نظنه انتهى.”

 

الختام:

وقفت ليلى على الشرفة مجددًا، تتنفس هواءً تخلله شذى الذكريات، وكتبت في دفترها:

“الوقت لم يكن عدوًا يومًا، بل كان معلمًا صامتًا. نحن من نتركه يعبر دون أن نعيش حقًا. حين نقاوم الزمن بالحب والعطاء، نصبح خالدين… حتى وإن مضينا.”

عن المؤلف