ورقة نعناع وحبة شاي

Img 20241218 Wa0010

 

كـ محمد صابر 

 

في مساءٍ هادئ، جلستُ على شرفة منزلي أراقب غروب الشمس. كان الهواء يحمل معه برودة خفيفة ورائحة الأرض بعد المطر. بجانبي كوب شاي ساخن يتصاعد منه البخار، تزين سطحه ورقة نعناع خضراء عائمة، وكأنها تطفو على بحر من الذكريات.

 

ورقة النعناع الصغيرة تلك كانت بمثابة نافذة سحرية أعادتني سنوات إلى الوراء، إلى ذلك اليوم الذي زرت فيه جدتي لأول مرة وحدي. كنت حينها طفلة صغيرة، كثيرة الأسئلة، أحب اللعب في حديقتها الصغيرة.

 

في كل زيارة، كانت تجلس على كرسيها الخشبي القديم، تُمسك بيديّ بحنان وتقول:

“الشاي يا بنيّتي لا يُشرب وحده، يجب أن تُضاف له حبة شاي حب وورقة نعناع أخضر، هذا ما يجعل الطعم مليئًا بالحب”.

 

كانت تمضي وقتها بين أوراق النعناع التي تزرعها في أصص طينية قديمة. كنت أراقبها وهي تقتطف الأوراق برفق كمن يجمع كنوزًا، وتضعها بعناية في الشاي الساخن، ثم تبتسم وتقدم لي كوبًا صغيرًا يشبه فنجان الدمى.

 

“ورقة النعناع تُهدئ الروح يا صغيرتي، وحبة الشاي تُذكرنا بأن البساطة سر السعادة”.

 

أمسكتُ يومها الكوب بيدي الصغيرتين وشربتُ الشاي، لم يكن مجرد نكهة، بل كان درسًا عن البساطة، عن الحب الذي يُزرع كأوراق النعناع، وينمو ليملأ الحياة برائحة لا تُنسى.

 

الآن، وأنا أرتشف شاي المساء على شرفتي، تتراقص في ذهني تلك الذكرى وكلمات جدتي. ورقة النعناع التي تطفو على سطح الشاي ليست مجرد إضافة، بل هي رسالة، أن في كل التفاصيل الصغيرة حبًا وذكريات لا تموت.

 

ربما يكون الشاي هو ذاته، لكن النكهة الحقيقية تأتي من حكايات الماضي وحضور من نحبهم، حتى لو كانوا مجرد طيف ذكرى… وورقة نعناع عائمة.

عن المؤلف