موتٌ مؤجل

Img 20241217 Wa0038

 

سارة أسامة النجار

سماءٌ رماديةٌ، تحاكي ظِلالَ الموتِ التي حَشَتْ الأرضَ، وعيونُ الأطفالِ تنظرُ إلى الأعلى، ليس لإحصاءِ النّجومِ، بل لعدِّ الطائراتِ الحربيةِ فوقهم. فهم لا يختبئون من المطرِ، بل من سيلِ الشّظايا المتراشقة. حيثُ يولدُ في كلِ ثانيةٍ احتمالُ موتٍ جديد. وهُنا، الأطفالُ يكبرون على أعتابِ الألمِ، وهم ينتظرونَ دورهم في السّفرِ إلى الضفّةِ الثانيةِ من الحياة.

هذه غزة، 96% من أطفالها يشعرون بأن الموت قريبٌ منهم، حسب دراسةٍ بريطانية. أما أنا، فأشهدُ كل يوم أن الأطفال يعيشون الموت بكل تفاصيله. فينظرون من طرف خيامهم ليشتموا النّسمات العليلة، فتخنقهم رائحة البارود المُعلَّة، وقلوبهم الصغيرة باتت ميدانًا للمخاوفِ والذُعرِ والرعبِ، فيعيشون طفولةً لا تُشبهُ الطفولةَ.

فعيونهم البريئة كالمجراتِ من الأسى، نهارهم مكتظٌ بأعمالٍ أكبر منهم، من تعبئةِ المياه ونقلها بأمعاء خاوية تحلمُ بشقِّ خبزة، وليلهم لا يستمعون فيه إلى قصصِ ما قبل النومِ، بل لأصواتِ الغاراتِ التي تنهي قصصَ عشرات الأطفال في لحظاتِ وداعٍ مؤجل.

ورغم سوداوية واقع الأطفال، إلا أنهم يحاربون ترسانةَ الشرّ بسعيهم للذهاب إلى المدارس وإكمال تعليمهم. ويحافظون على براءتهم فيلعبون سويًا بينَ الركام، ويخبّئون في جيوبهم قوس قزح صنعوه من بقايا الركام. لذا سيبقى الصغار في غزة أوتار ناي يعزف لحن الحياة.

عن المؤلف