إلى أين أنا ذاهبة

Img 20241209 Wa0057

 

الكاتبة:- سلسبيل حسين 

 

أَدَرْتُ ظَهْرِي، لَيْسَ لِأَنَّنِي ضَعُفْتُ، وَلَا لِأَنَّنِي تَرَكْتُ سِلاحي وَانْهَزَمْتُ، بَل لِأَنَّنِي وَصَلْتُ إِلَى لَحْظَةٍ مِنَ الوَعْيِ، لَحْظَةً تَوَقَّفْتُ فِيهَا أَمَامَ نَفْسِي، فَفَجْأَةً اِكْتَشَفْتُ أَنَّنِي قَدْ تَعَوَّدْتُ عَلَى الحُزْنِ حَتَّى أَصْبَحَ جُزْءًا مِنْ خَلَايَا رُوحِي. أَصْبَحَ يَوْمِي يَمُرُّ بِلا اَبتِسَامَةٍ، وَكَأَنَّنِي أَعِيشُ فِي عَالَمٍ خَالٍ مِنَ الأَلْوَانِ. خَشِيتُ أَنْ يَتَحَوَّلَ اَكْتِئَابِي إِلَى طُوفَانٍ يَبتَلِعُنِي، فَتَذْبُلُ عَيْنَايَ وَتَشِيبُ وَجْنَتَيَّ، بَيْنَمَا يَزْدَادُ العُمُرُ ثَقَلًا عَلَى جَسَدِي الَّذِي أَصْبَحَ يَحْمِلُ سِنِينَ لَا تَتَنَاسَبُ مَعَ رُوحِي.

 

اَلفَسَاتِينُ ذَاتُ اَلْأَلْوَانِ اَلزَّاهِيَةِ الَّتِي كَانَتْ تُحْيِي قَلْبِي لَمْ تَعُودْ تُثِيرُنِي. اَلحَفَلاتُ الَّتِي كَانَتْ تَضُجُّ بِالْحَيَاةِ، لَا تَعْنِي لِي شَيْئًا اَلْآنَ، وَكَأَنَّهَا تَتَقَاطَعُ مَعَ اَلفَرَاغِ الَّذِي يَسْكُنُنِي. أَحْمَرُ اَالشِّفَاهِ أَصْبَحَ ذِكْرَى قَدِيمَةً، كَأَنَّنِي قَدْ نَسِيتُ كَيْفَ أَضَعُهُ عَلَى شِفَاهِي. خَزَانَتِي بَاتَتْ مَلِيئَةً بِالْمَلَابِسِ اَلسَّوْدَاءِ، كَأَنَّهَا تَعْكِسُ رُوحِي اَلمُظْلِمَةَ الَّتِي تَسْكُنُنِي. شَعْرِي الَّذِي كَانَ يَوْمًا يَتَرَاقَصُ بِأَلْوَانِ اَلحَيَاةِ أَصْبَحَ أَشْبَهَ بِحَقْلٍ قَاحِلٍ، لَا أَعْرِجُهُ وَلَا أُزْهِرُهُ.

 

لَقَدْ فَقَدْتُ اَلاِهْتِمَامَ بِكُلِّ شَيْءٍ. لَا أَجِدُ طَعْمًا لِفِنْجَانِ اَلقَهْوَةِ الَّذِي كَانَ يُوقِظُنِي مِنْ سُباتِي، أَصْبَحْتُ أَطْيَافَ اَلْلَّحَظَاتِ اَلْجَمِيلَةِ تَبْتَعِدُ عَنِّي كَمَا يَبْتَعِدُ اَلْأُفُقُ عَنْ اَلْعَيْنِ. أَصْبَحْتُ أَبْعَدَ رَغْمَ أَنَّنِي كُنْتُ قَرِيبًا جِدًّا مِنْ نَفْسِي وَمِنَ اَلآخَرِينَ. اَلاِبْتِسَامَاتُهُمْ لَمْ تَعُدْ تَحْمِلُ صِدْقًا، بَلْ بَاتَتْ مَجَرَّدَ قُشُورٍ زَائِفَةٍ يَخْفِي وَرَاءَهَا كُلُّ شَيْءٍ مِنَ اَلاَلَمِ.

 

“أَيْنَ أَنَا مِنْ كُلِّ هَذَا؟” لَمْ أَكُنْ هَكَذَا، صَدِّقْنِي. كُنتُ أَقْوَى مِنْ ذَٰلِكَ، كُنتُ أَكْثَرَ إِشْرَاقًا وَحَيَاةً. لَكِنَّ اَلْآنَ، لَا أَسْتَطِيعُ سِوَى أَنْ أَقُولَ: “دَعْ اَلمُسْتَقْبَلَ يَأْتِي كَمَا هُوَ، فَأَنَا رَحَلْتُ بِالفِعْلِ. وَمَا تَبَقَّى هُوَ جَسَدِي الَّذِي يَسِيرُ بِلا هَدَفٍ فِي دُرُوبٍ لَا تَنْتَهِي”.

عن المؤلف