حكايات غزة، جوليا بين النيران والركام

Img 20241205 Wa0098

 

كتبت: هاجر حسن 

 

 

هناك نصوص تُكتب بأحرف تقطر دموعًا، وأخرى تخطها يد مرتجفة على ورق يكاد يصرخ من الألم.

 

حكايات غزة ليست مجرد كلمات؛ إنها جمرة لا تنطفئ، تأبى أن تترك القلم يهدأ، تسكن القلب وتعيد فتح الجروح. كل حكاية تجذب قلمك ليبوح عنها. 

 

جوليا… طفلة لا يتجاوز عمرها سنتين، بريئة كزهرة الأقحوان تنمو على ضفاف الحرب.

خرجت من تحت الأنقاض بعد أن أحاط بها السواد، تحمل على وجهها خطوط الغبار وملامح الصدمة.

كانت الحجارة المحطمة تحيط بجسدها الصغير، والغبار يخبئ عينيها اللتين تبحثان عن بصيص النور.. كل ما استطاعت قوله بكلمات متقطعة هو: “أماه”.

 

لم يكن قلبها الصغير يدرك أن الركام قد أخذ أحضان والدتها ودفء عائلتها. وجدت نفسها بين النازحين في خيام خان يونس، داخل قطعة قماش تهتز مع الرياح. ظنت أنها وجدت الأمان رغم ظلام الليل وشدة البرودة، ولكن قسوة الحرب لا تعرف الشفقة. 

 

وسط ليلة باردة، في اليوم 424 من الحرب، شقت ألسنة النيران طريقها في خيام خان يونس، تطارد الطفلة الصغيرة التي كان جسدها الهش يرتعش خوفًا، بينما دموعها تنساب لتروي النيران تحت قدميها دون قدرة على إطفائها. 

 

خرجت لا تدرك ما يحدث، تنظر بعينيها البريئتين، وامرأة تحملها تهرول بها بعيدًا عن نيران تلتهم الأجساد، تبخر الأرواح، تحرق الخيام، وأجساد تهرول مشتعلة، تستغيث بلا إجابات.

 

لكن الله أراد لها النجاة مرة أخرى، فخرجت من بين اللهب تحمل في قلبها جرحًا أعمق من قدرتها على الاحتمال، وألمًا يكبر معها كلما نظرت حولها.

فجوليا ليست مجرد طفلة ناجية؛ بل هي شاهدة على حقبةٍ مظلمة من تاريخ العالم. الحكايات لا تنتهي، وجوليا ستكبر لتبقى شاهدًا صغيرًا على صرخة كبرى، تنادي بالعدالة وسط صمت مدوًّ. 

 

فيا ليت يدًا تمتد لتلامس يد جوليا الصغيرة وتهدئها، ويا ليت الكلمات كانت تُبعث في الهواء لتصل إليها وتطمئنها.

ويبقى السؤال: من يعيد طفولتهم الضائعة؟

عن المؤلف