هُرُوبٌ إِلَى حَافَّةِ النَّدَمِ

Img 20241201 Wa0095

 

 

كَتَبَتْ: خَوْلَةُ الْأَسَدِيُّ

 

 

حَسَنًا، لِنُحاوِلْ كِتابةَ شَيْءٍ مُبَعْثَرٍ كَمَشاعِرِي!

سَأُخْبِرُكَ بِدَايَةً أَنِّي الآن أَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ كانَ يُفْتَرَضُ بِهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِسَعادَتِي وَلَوْ لِأَيَّامٍ أَوْ أَسَابِيعَ، لَكِنَّهُ امْتَلَكَ مِنَ العِنَادِ ما جَعَلَهُ يَفُوزُ عَلَى كُلِّ الافْتِرَاضَاتِ، وَها أَنَا كُلَّما وَقَعَتْ عَيْنِي عَلَيْهِ شَعَرْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ عَدا السَّعادَةِ!

كُلُّ المَشاعِرِ القاتِمَةِ تَجَسَّدَتْ فِي تَفَاصِيلِهِ الَّتِي أُحاوِلُ التَّفْتِيشَ فِيهَا عَنْ أَثَرٍ لِلسُّرُورِ الَّذِي انْتَظَرْتُهُ، فَيَرْتَدُّ بَصَرِي خائِبًا وَهُوَ حَسِيرٌ!

 

وَتَخَيَّلْ أَنْ تَهْرُبَ مِنْ هَكَذا مَشاعِرَ وَمَناظِرَ إِلَى عَيْنَيْنِ تُفَجِّرُ نَظَرَتَيْهِمَا فِي أَحْشَائِكَ كُلَّ أَوْجاعِكَ الخامِدَةِ، الَّتِي تَتَحاشَى اسْتِفْزازَهَا بِكُلِّ ما تَمْلِكُهُ مِنْ حَذَرٍ، فَإِذا بِلَحْظَةِ سَهْوٍ تُوقِعُكَ فِي قَعْرِهَا المُتَأَجِّجِ لِتَحْتَرِقَ بِصَدْمَتِكَ وَالوَجَعِ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ!

فَتُحاوِلُ الفِرارَ مُجَدَّدًا، وَتَتَعَثَّرُ بِحَظِّكَ البائِسِ، لِتَقَعَ أَسِيرًا لِلْحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ، وَأَنْتَ تَتَذَكَّرُ نَظَرَاتٍ حَمَلَتِ الكَثِيرَ رَغْمَ صَمْتِهَا الَّذِي كُنْتَ تَفْهَمُهُ، وَلَكِنَّكَ لَمْ تَمْلِكْ شَجاعَةَ الرَّدِّ وَلَوْ بِذاتِ اللُّغَةِ الصَّامِتَةِ، وَآثَرْتَ البُعْدَ كَعادَتِكَ الجَبانَةِ الَّتِي تَعِي غَبَاءَهَا، وَلَكِنَّكَ تَتَمَسَّكُ بِهَا كَطِفْلٍ فِي الثَّالِثَةِ يَخْشَى فِرَاقَ صَدْرِ وَالِدَتِهِ الَّذِي يَرَاهُ عالَمَهُ الآمِنَ.

 

أَوْ دَعْنِي أُخْبِرْكَ عَنْ مِقْدارِ التَّعَبِ الَّذِي يَسْتَشْعِرُهُ المَرْءُ الجِدِّيُّ مَعَ نَفْسِهِ الَّتِي لا تَتَساهَلُ مَعَهُ فِي أَيِّ الْتِزاماتٍ أَوْ عُهُودٍ، وَلا هُوَ بِالَّذِي يَجْرُؤُ عَلَى تَجاهُلِ سَطْوَتِهَا وَالتَّصَرُّفِ كَما يَشْتَهِي هَواهُ، فَيَعِيشُ أَسِيرًا لَدَيها، يَمْنَعُ عَنْهَا ما تَشْتَهِيهِ، وَتُلْزِمُهُ بِما يُرْهِقُهُ، وَلَنْ أَقُولَ: لا يُحِبُّهُ؛ لِأَكُونَ أَكْثَرَ دِقَّةً.

عن المؤلف