نورٌ يَحلّ في ظلال الغياب

Img 20241125 Wa0060

 

كتبته: سبأ الجاسم الحوري. 

 

 

رأيتُها في منامي، جدتي الحبيبة، التي غادرت دنياي منذ سنوات، وخلّفت في روحي فراغًا لا يملأه سوى الحنين. أطلّت عليّ بوجهٍ طافحٍ بالشباب، ناصعٍ بنورٍ يأبى الذبول، وكأنّ الزمان ارتدّ خطاه ليعيدها كما كانت يومًا، روحًا نقيةً لا يعكّرها تعب السنين ولا عبء الأيام.

 

 هرولت نحوها كطفلٍ ضائعٍ عاد ليجد ملاذه، احتضنتها بشوقٍ اختزنته ذاكرتي المنهكة بفقدها. قلتُ لها والدمع يسبق كلماتي: “اشتقتُ لكِ يا جدتي، اشتقتُ لكل لحظةٍ جمعتني بكِ، لكل نصيحةٍ همستِ بها في أذني.”

 

ابتسمت ابتسامةً تشبه طوق النجاة، وقالت بصوتٍ حنونٍ يزيل غبار الوحدة: “أنا هنا اليوم خصيصًا لأجلك، أنت وحدك ترى حضوري، أما الآخرون فلا يُدركون ذلك. جئتُ لأطبع على قلبك ذكرى لا تُمحى، وأزرع في وجدانك نورًا لا يخبو.”

 

سألتها عن خوالي، أبناءها، وعن سبب عدم زيارتهم، فأجابت بابتسامةٍ تحمل مزيجًا من الحكمة والحنين: “هم لا يُبصرونني كما تفعل أنت، أنت مَن كنتَ الأقرب لروحي، ومَن أودعتُه دعواتي.”

 

ثم، وكأنّ الزمن كان يهمس في أذنها بموعد الوداع، قالت لي: “تأخرتُ، يجب أن أذهب الآن.”

 

 رأيتها تسير نحو طريقٍ ملؤه النور، ضوءٌ صافٍ يبعث في الروح طمأنينةً لا توصف، حتى اختفت عن ناظري، تاركةً خلفها أثرًا لا يمحوه الغياب.

 

صُدمتُ حين أدركتُ لاحقًا أن هذا اليوم، صباحه تحديدًا، يوافق ذكرى رحيلها السابعة. وكأنّ روحها الطاهرة أرادت أن تخبرني أنها حاضرة رغم غياب الجسد، أنها في عالمٍ آخر لا يزال يربطها بي.

 

يا جدتي، في ذكراكِ أرفع أكفّي بالدعاء، وأضيء شموع الذاكرة التي لا تنطفئ، فأنتِ نورٌ خالدٌ لا ينطفئ في ظلمة الفقد، وابتسامةٌ أبديةٌ تطمئن قلبي مهما اجتاحته قسوة الحياة.

عن المؤلف