إلى سميح القاسم

Img 20241120 Wa0005

 

كتبت ملاك عاطف

“أنا أعشقُ صلبَ الحقيقةِ على أعمدةِ الكذب.”

وأن مثلك، أعشقُ تعابيرَ وجهِ الحقيقةِ وهيَ مصلوبة؛ لأنّها تبدو لي ضاحكةً مستبشرةً بمصيرِ يومِها الآتي.

وأعشقُها حينَ تلصقُ جلدَها المشدودَ بالصّدقِ بحدِّ المقصلة، ثمَّ تنظرُ إلى دماءِ بقائِها الّذي يخلّفُ بقعَ ظُلمٍ حمراءَ أبديّةً على حبالِ الافتراءِ المهترئة.

وأعشقُ كينونةَ الحقيقةِ حينَ تستقبِلُ استشهادَها حرقًا بنارِ التّزويرِ الكاوية.

وأهيمُ بها حينَ تُبعَثُ من بينِ تطاير رمادها الباهِتِ أقوى وأبقى وأأبهى.

وأعشقُها حينَ تدفعُ أعمِدةَ الكذبِ بعضلاتِ ثبوتِها، وتضغطُ عليها؛ حتّى تنهارَ في باطنِ أرضِ البِلاد، وتنصهر في ماجما رفاتِ بني وطني، ثمَّ تثورُ براكينُ نصرٍ بألسنةِ لهبِ رباطِنا المتطاولة، فتبتلعَ المراوغات، وتذيب التّلفيق، وتفحّم البهتان، وتنضجُ جلودَ صنّاعِ تلكَ الأعمدةِ بغليلها، تنضجُها على مرأى عيونِ شجرِ الزّيتون، وعلى مسمعِ آذانِ حجارةِ البُيوتِ المحطّمة، بحضورِ حدسِ العلَمِ الّذي لا يخطئ.

وهكذا تكونُ مراسيمُ حفلِ التّشَفّي قد بدأت، فتنحني غصونُ البيّاراتِ؛ لتصعدَ على ظهورِها الأعلامُ مرفرفةً خفّاقة، وتجلّلَ رقابَها ببعضٍ من خضارِها؛ فيتعانقان، خضارٌ على خضار، تُكسى البلادُ ببهجةِ الحرّيةِ، وتُتابُعُ المساجِدبخشوعٍ حلاوةَ المشهد، فما تلبث إلّا أن تثغرَ أفواهُ مآذنِها بتكبيراتٍ تصدحُ في سمانا مُصافِحةً شروقَ شمسِ زوال الاحتِلال، وتُباركُ المنابرُ فرحَنا العارِمَ بدعوةِ الأئمّةِ؛ لاعتلائها، وبثِّ خطبِ رضانا عن اللّهِ المصفوفةِ في حناجرهم بهيئةٍ تملؤُها العبوديّةُ، ويحفُّها الوقار.

أنا مثلُكَ يا سميح، أعشقُ الحقيقةَ المصلوبةَ على أعمدةِ الكذبِ؛ لأنَّ في ثناياها خلاصنا، وفي الغَدِ يختبئُ قدرُ تلكَ الأعمِدةِ مرصوفًا بالهلاكِ والعذابِ لأصحابِها.

عن المؤلف