كتبت : سهيلة آل حجازى
مِن عجب الدنيا أنها تجتذبك إلى أعماق السخرية الروحية، ثم تردك إلى الواقع الذي تعيشه، فلا أنتَ تُصرف منها، ولا تُصرف عنها، تظل قابعًا بين جنبات الوادي الخصيب، على الربوة حيث العجوز، وركية الشاي، وسط حقل القمح الوامض بالذهب، تسامره على ضوء النجوم، ترمق السماء بتلك العين تلك الثريا وما أمنعها وأعلاها، وذاك التبران وما أولهه مِن عشَّاق.
تتناثر السحب فَتعبق بالياسمين، يحاوطك النسيم، فيدفعك إلى أعماق المتاهة، تجد السهيل بها، يومض بين الفينة و الآخري، فتهتدي بومضاته، وتسبح في أعماق الروح، يتمثل لك النسق في الفلسفة، فتعبر عنه في شعر منسوج.
يحركك المحرك الذي لا يتحرك، فيدفعك إلى التفكير في آيات الوجود، كانت الأرض والسماء رتقًا ثم فُتقتا، تشكلت السماء، واتسعت وامتلأت بالنجوم، فشكلت مجرات وعوالم، لم نصل إليها بعد، وهاهي تكاد تختفي، ثم ماذا بعد؟!
تتعمق في خفايا الحقب وفلسفة العصور، فتجد كلًا يؤول على هواه، كأن ما قبل الوجود كان لا صورة، أو كأن النور خرج مِن الظلمة، أمرٌ، مظلمٌ، محيرٌ، عسير الوصف.
تتعمق في الأرض فتجد ما لا يخطر على بال، ذا يقدس، وذاك يلعن، أي أحجية هذي؟!، شعوب وقبائل مختلفة، يجمعهم اسم واحد – هو أدم-، ذاك الذي لم يكن منهم بل كان أباهم، الكل يقدس النفس الإنسانية؛ لأنها أشرف النفوس، الكل يحترم البدن الإنساني؛ لأنه أفضل الأبدان.
يصبح الصراط هو المبدأ والمآل، فهو المبدأ الذي تأتي منه كل الأشياء، والمآل الذي ترتد إليه كل الأشياء ذاك هو المرجع في كل أمر مِن أمور الحياة، فالأشياء تتغير، لكنَّ النواميس تبقى ثابتة، فلا يمكن للشمس أن تغرب مِن المشرق – ما دام الميقات لم يحن -، ولا يمكن للقمر أن يشرق في وضح النهار.
هو شيء لا يُدرك، ليس بسبب تعاليه، بل لأنه في غاية الدقة، شيء يبعث على السخرية رغم ضألته، إنه المحرك الذي لا يتحرك، بقدر ما تعنيه الحركة مِن وقوع في ذات الكائن، فالعقل باقٍ وسط المتغيرات، فلا يزول ما دام هناك فعل يوحي بأن ذات الكائن على قيد الحياة، فالعقل يرتهن زواله بتوقف الكائن عن الفعل – عن الحركة- ولا يمكن له الخلود.
المزيد من الأخبار
التواصل الفعال هو مفتاح النجاح الشخصي والمهني
ثمرات الصبر
غزوة تبوك